فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
تفريع على قوله :
ليروا أعمالهم تفريع الفذلكة ، انتقالا للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريع قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتا .
والمثقال : ما يعرف به ثقل الشيء ، وهو ما يقدر به الوزن وهو كميزان زنة ومعنى .
والذرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .
و
مثقال ذرة مثل في أقل القلة ، وذلك للمؤمنين ظاهر ، وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم ، فلا توصف بخير عند الله ; لأن عمل الخير مشروط بالإيمان . قال تعالى :
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
[ ص: 495 ] وإنما أعيد قوله : ومن يعمل دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب ، فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإطناب .
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم ، وقد وصفها النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالجامعة الفاذة ، ففي الموطأ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002896أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل لثلاثة الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002897 . فسئل عن الحمر ، فقال : لم ينزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه
أحكم آية في القرآن ، وقال
الحسن : قدم
صعصعة بن ناجية جد
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق على النبيء - صلى الله عليه وسلم - يستقرئ النبيء القرآن ، فقرأ عليه هذه الآية ، فقال
صعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار : لقد أنزل الله على
محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
وإذ قد كان الكلام مسوقا للترغيب والترهيب معا أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويها بأهل الخير .
وفي الكشاف : يحكى أن أعرابيا أخر خيرا يره فقيل قدمت وأخرت فقال :
خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق اهـ
وقد غفل هذا الأعرابي عن بلاغة الآية المقتضية التنويه بأهل الخير .
روى
الواحدي عن
مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا
بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به ، فنزلت الآية فيهما .
ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية ، ولو صح هذا الخبر لما كان مقتضيا أن السورة مدنية ; لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهدا يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة ، كما بيناه في المقدمة الخامسة .