nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29070_30296_30340إذا زلزلت الأرض زلزالها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها [ 2 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وقال الإنسان ما لها [ 3 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها [ 4 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها [ 5 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم [ 6 ] .
افتتاح الكلام بظرف الزمان مع إطالة الجمل المضاف إليها الظرف تشويق إلى متعلق الظرف ، إذ المقصود ليس توقيت صدور الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، بل الإخبار عن وقوع ذلك وهو البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل
وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطه ، فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت .
ومعنى زلزلت : حركت تحريكا شديدا حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها ; لأن فعل زلزل مأخوذ من الزلل ، وهو زلق الرجلين ، فلما عنوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل ، كما قالوا : كبكبه ، أي : كبه ولملم بالمكان من اللم .
والزلزال : بكسر الزاي الأولى مصدر زلزل ، وأما الزلزال بفتح الزاي فهو اسم
[ ص: 491 ] مصدر كالوسواس والقلقال . وتقدم الكلام على الزلزال في سورة الحج .
وإنما بني فعل ( زلزلت ) بصيغة النائب عن الفاعل ؛ لأنه معلوم فاعله وهو الله تعالى .
وانتصب زلزالها على المفعول المطلق المؤكد لفعله إشارة إلى هول ذلك الزلزال ، فالمعنى : إذا زلزلت الأرض زلزالا .
وأضيف ( زلزالها ) إلى ضمير الأرض لإفادة تمكنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها ، كقول
النابغة :
أسائلتي سفاهتها وجهلا على الهجران أخت بني شهاب
أي : سفاهة لها ، أي : هي معروفة بها ، وقول
أبي خالد القناني :
والله أسماك سمى مباركا آثرك الله به إيثاركا
يريد إيثارا عرفت به واختصصت به . وفي كتب السيرة أن من كلام
خطر بن مالك الكاهن يذكر شيطانه حين رجم ( بلبله بلباله ) أي : بلبال متمكن منه . وإعادة لفظ الأرض في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها إظهار في مقام الإضمار لقصد التهويل .
والأثقال : جمع ثقل بكسر المثلثة وسكون القاف وهو المتاع الثقيل ، ويطلق على المتاع النفيس .
وإخراج الأرض أثقالها ناشئ عن انشقاق سطحها ، فتقذف ما فيها من معادن ومياه وصخر .
وذلك من تكرر الانفجارات الناشئة عن اضطراب داخل طبقاتها وانقلاب أعاليها أسافل والعكس .
والتعريف في ( الإنسان ) تعريف الجنس المفيد للاستغراق ، أي : وقال الناس ما لها ، أي : الناس الذين هم أحياء ففزعوا ، وقال بعضهم لبعض ، أو قال كل أحد في نفسه حتى استوى في ذلك الجبان والشجاع ، والطائش والحكيم ، لأنه زلزال تجاوز الحد الذي يصبر على مثله الصبور .
[ ص: 492 ] وقول ( ما لها ) استفهام عن الشيء الذي ثبت للأرض ولزمها ; لأن اللام تفيد الاختصاص ، أي : ما للأرض في هذا الزلزال ، أو ما لها زلزلت هذا الزلزال ، أي : ماذا ستكون عاقبته . نزلت الأرض منزلة قاصد مريد يتساءل الناس عن قصده من فعله ؛ حيث لم يتبين غرضه منه ، وإنما يقع مثل هذا الاستفهام غالبا مردفا بما يتعلق بالاستقرار الذي في الخبر مثل أن يقال : ما له يفعل كذا ، أو ما له في فعل كذا ، أو ما له وفلانا ، أي : معه ، فلذلك وجب أن يكون هنا مقدر ، أي : ما لها زلزلت ، أو ما لها في هذا الزلزال ، أو ما لها وإخراج أثقالها .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها إلخ جواب ( إذا ) باعتبار ما أبدل منها من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس فيومئذ بدل من
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها .
واليوم يطلق على النهار مع ليله ، فيكون الزلزال نهارا وتتبعه حوادث في الليل مع انكدار النجوم وانتشارها ، وقد يراد باليوم مطلق الزمان .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4تحدث أخبارها هو العامل في ( يومئذ ) وفي البدل ، والتقدير : يوم إذ تزلزل الأرض وتخرج أثقالها ، ويقول الناس : ما لها تحدث أخبارها إلخ .
و ( أخبارها ) مفعول ثان لفعل ( تحدث ) ؛ لأنه مما ألحق بظن لإفادة الخبر علما ، وحذف مفعوله الأول لظهوره ، أي : تحدث الإنسان ; لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل .
وضمير ( تحدث ) عائد إلى ( الأرض ) .
والتحديث حقيقته : أن يصدر كلام بخبر عن حدث . وورد في حديث
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002895قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ! قال : فإن أخبارها أن nindex.php?page=treesubj&link=30361تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عمل يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها اهـ .
وجمع ( أخبارها ) باعتبار تعدد دلالتها على عدد القائلين ، ( ما لها ) وإنما هو خبر واحد وهو المبين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها .
[ ص: 493 ] وانتصب ( أخبارها ) على نزع الخافض وهو باء تعدية فعل ( تحدث ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها يجوز أن يتعلق بفعل ( تحدث ) والباء للسببية ، أي : تحدث أخبارها بسبب أن الله أمرها أن تحدث أخبارها .
ويجوز أن يكون بدلا من ( أخبارها ) وأظهرت الباء في البدل لتوكيد تعدية فعل ( تحدث ) إليه ، وعلى كلا الوجهين قد أجملت أخبارها وبينها الحديث السابق .
وأطلق الوحي على أمر التكوين ، أي : أوجد فيها أسباب إخراج أثقالها فكأنه أسر إليها بكلام ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا الآيات .
وعدي فعل ( أوحى ) باللام لتضمين ( أوحى ) معنى قال ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، وإلا فإن حق ( أوحى ) أن يتعدى بحرف ( إلى ) .
والقول المضمن هو قول التكوين قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون .
وإنما عدل عن فعل : قال لها إلى فعل أوحى لها ؛ لأنه حكاية عن تكوين لا عن قول لفظي .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا بدل من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها ، والجواب هو فعل و
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يصدر الناس ، وقوله : ( يومئذ ) يتعلق به ، وقدم على متعلقه للاهتمام . وهذا الجواب هو المقصود من الكلام ; لأن الكلام مسوق لإثبات الحشر والتذكير به والتحذير من أهواله ، فإنه عند حصوله يعلم الناس أن الزلزال كان إنذارا بهذا الحشر .
وحقيقة
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يصدر الناس الخروج من محل اجتماعهم ، يقال : صدر عن المكان ، إذا تركه وخرج منه صدورا وصدرا بالتحريك . ومنه الصدر عن الماء بعد الورد ، فأطلق هنا فعل ( يصدر ) على
nindex.php?page=treesubj&link=30349خروج الناس إلى الحشر جماعات ، أو انصرافهم من المحشر إلى مأواهم من الجنة أو النار ، تشبيها بانصراف الناس عن الماء بعد الورد .
[ ص: 494 ] وأشتات : جمع شت بفتح الشين وتشديد الفوقية وهو المتفرق ، والمراد : يصدرون متفرقين جماعات كل إلى جهة بحسب أعمالهم وما عين لهم من منازلهم .
وأشير إلى أن تفرقهم على حسب تناسب كل جماعة في أعمالها من مراتب الخير ومنازل الشر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6ليروا أعمالهم ، أي : يصدرون لأجل
تلقي جزاء الأعمال التي عملوها في الحياة الدنيا ، فيقال لكل جماعة : انظروا أعمالكم ، أو انظروا مآلكم .
وبني فعل ( ليروا ) إلى النائب ; لأن المقصود رؤيتهم أعمالهم لا تعيين من يريهم إياها . وقد أجمع القراء على ضم التحتية .
فالرؤية مستعملة في رؤية البصر والمرئي هو منازل الجزاء ، ويجوز أن تكون الرؤية مستعملة في العلم بجزاء الأعمال ، فإن الأعمال لا ترى ، ولكن يظهر لأهلها جزاؤها .
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29070_30296_30340إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا [ 2 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا [ 3 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [ 4 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [ 5 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [ 6 ] .
افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مَعَ إِطَالَةِ الْجُمَلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا الظَّرْفُ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ الظَّرْفِ ، إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ تَوْقِيتَ صُدُورِ النَّاسِ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ، بَلِ الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ ، ثُمَّ الْجَزَاءُ ، وَفِي ذَلِكَ تَنْزِيلُ
وُقُوعِ الْبَعْثِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ الْمُحَقَّقِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُهِمُّ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَةُ وَقْتِهِ وَأَشْرَاطِهِ ، فَيَكُونُ التَّوْقِيتُ كِنَايَةً عَنْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْمُوَقَّتِ .
وَمَعْنَى زُلْزِلَتْ : حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حَيِّزِهَا ; لِأَنَّ فِعْلَ زُلْزِلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّلَلِ ، وَهُوَ زَلَقُ الرِّجْلَيْنِ ، فَلَمَّا عَنَوْا شِدَّةَ الزَّلَلِ ضَاعَفُوا الْفِعْلَ لِلدَّلَالَةِ بِالتَّضْعِيفِ عَلَى شِدَّةِ الْفِعْلِ ، كَمَا قَالُوا : كَبْكَبَهُ ، أَيْ : كَبَّهُ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ مِنَ اللَّمِّ .
وَالزِّلْزَالُ : بِكَسْرِ الزَّايِ الْأَوْلَى مَصْدَرُ زَلْزَلَ ، وَأَمَّا الزَّلْزَالُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَهُوَ اسْمُ
[ ص: 491 ] مَصْدَرٍ كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَالِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الزِّلْزَالِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ .
وَإِنَّمَا بُنِيَ فِعْلُ ( زُلْزِلَتْ ) بِصِيغَةِ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَانْتَصَبَ زِلْزَالَهَا عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُؤَكِّدِ لِفِعْلِهِ إِشَارَةً إِلَى هَوْلِ ذَلِكَ الزِّلْزَالِ ، فَالْمَعْنَى : إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالًا .
وَأُضِيفَ ( زِلْزَالَهَا ) إِلَى ضَمِيرِ الْأَرْضِ لِإِفَادَةِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَتَكَرُّرِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهَا لِكَثْرَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا ، كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
أَسَائِلَتِي سَفَاهَتَهَا وَجَهْلًا عَلَى الْهِجْرَانِ أُخْتُ بَنِي شِهَابِ
أَيْ : سَفَاهَةً لَهَا ، أَيْ : هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَا ، وَقَوْلِ
أَبِي خَالِدٍ الْقَنَانِيِّ :
وَاللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبَارَكًا آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكَا
يُرِيدُ إِيثَارًا عُرِفْتَ بِهِ وَاخْتَصَصْتَ بِهِ . وَفِي كُتُبِ السِّيرَةِ أَنَّ مِنْ كَلَامِ
خَطْرِ بْنِ مَالِكٍ الْكَاهِنِ يَذْكُرُ شَيْطَانَهُ حِينَ رُجِمَ ( بَلْبَلَهُ بَلْبَالُهُ ) أَيْ : بِلْبَالٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ . وَإِعَادَةُ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ التَّهْوِيلِ .
وَالْأَثْقَالُ : جَمْعُ ثِقْلٍ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ الْمَتَاعُ الثَّقِيلُ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَتَاعِ النَّفِيسِ .
وَإِخْرَاجُ الْأَرْضِ أَثْقَالَهَا نَاشِئٌ عَنِ انْشِقَاقِ سَطْحِهَا ، فَتَقْذِفُ مَا فِيهَا مِنْ مَعَادِنَ وَمِيَاهٍ وَصَخْرٍ .
وَذَلِكَ مِنْ تَكَرُّرِ الِانْفِجَارَاتِ النَّاشِئَةِ عَنِ اضْطِرَابٍ دَاخِلِ طَبَقَاتِهَا وَانْقِلَابِ أَعَالِيهَا أَسَافِلَ وَالْعَكْسِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي ( الْإِنْسَانِ ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، أَيْ : وَقَالَ النَّاسُ مَا لَهَا ، أَيْ : النَّاسُ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ فَفَزِعُوا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، أَوْ قَالَ كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْجَبَانُ وَالشُّجَاعُ ، وَالطَّائِشُ وَالْحَكِيمُ ، لِأَنَّهُ زِلْزَالٌ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى مِثْلِهِ الصَّبُورُ .
[ ص: 492 ] وَقَوْلُ ( مَا لَهَا ) اسْتِفْهَامٌ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي ثَبَتَ لِلْأَرْضِ وَلَزِمَهَا ; لِأَنَّ اللَّامَ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ ، أَيْ : مَا لِلْأَرْضِ فِي هَذَا الزِّلْزَالِ ، أَوْ مَا لَهَا زُلْزِلَتْ هَذَا الزِّلْزَالَ ، أَيْ : مَاذَا سَتَكُونُ عَاقِبَتُهُ . نَزَلَتِ الْأَرْضُ مَنْزِلَةَ قَاصِدٍ مُرِيدٍ يَتَسَاءَلُ النَّاسُ عَنْ قَصْدِهِ مِنْ فِعْلِهِ ؛ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ غَرَضُهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ غَالِبًا مُرْدَفًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ : مَا لَهُ يَفْعَلُ كَذَا ، أَوْ مَا لَهُ فِي فِعْلِ كَذَا ، أَوْ مَا لَهُ وَفُلَانًا ، أَيْ : مَعَهُ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُقَدَّرٌ ، أَيْ : مَا لَهَا زُلْزِلَتْ ، أَوْ مَا لَهَا فِي هَذَا الزِّلْزَالِ ، أَوْ مَا لَهَا وَإِخْرَاجَ أَثْقَالِهَا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا إِلَخْ جَوَابُ ( إِذَا ) بِاعْتِبَارِ مَا أُبْدِلَ مِنْهَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ فَيَوْمَئِذٍ بَدَلٌ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا .
وَالْيَوْمُ يُطْلَقُ عَلَى النَّهَارِ مَعَ لَيْلِهِ ، فَيَكُونُ الزِّلْزَالُ نَهَارًا وَتَتْبَعَهُ حَوَادِثُ فِي اللَّيْلِ مَعَ انْكِدَارِ النُّجُومِ وَانْتِشَارِهَا ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا هُوَ الْعَامِلُ فِي ( يَوْمَئِذٍ ) وَفِي الْبَدَلِ ، وَالتَّقْدِيرُ : يَوْمَ إِذْ تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ وَتُخْرِجُ أَثْقَالَهَا ، وَيَقُولُ النَّاسُ : مَا لَهَا تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا إِلَخْ .
وَ ( أَخْبَارَهَا ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ ( تُحَدِّثُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُلْحِقَ بِظَنٍّ لِإِفَادَةِ الْخَبَرِ عِلْمًا ، وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ لِظُهُورِهِ ، أَيْ : تُحَدِّثُ الْإِنْسَانَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ إِخْبَارُهَا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ .
وَضَمِيرُ ( تُحَدِّثُ ) عَائِدٌ إِلَى ( الْأَرْضِ ) .
وَالتَّحْدِيثُ حَقِيقَتُهُ : أَنْ يَصْدُرَ كَلَامٌ بِخَبَرٍ عَنْ حَدَثٍ . وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002895قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30361تَشَهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ : عَمِلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا اهـ .
وَجُمِعَ ( أَخْبَارُهَا ) بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ دَلَالَتِهَا عَلَى عَدَدِ الْقَائِلِينَ ، ( مَا لَهَا ) وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُبَيَّنُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .
[ ص: 493 ] وَانْتَصَبَ ( أَخْبَارَهَا ) عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ ( تُحَدِّثُ ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ ( تُحَدِّثُ ) وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ، أَيْ : تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهَا أَنْ تُحَدِّثَ أَخْبَارَهَا .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ ( أَخْبَارِهَا ) وَأُظْهِرَتِ الْبَاءُ فِي الْبَدَلِ لِتَوْكِيدِ تَعْدِيَةِ فِعْلِ ( تُحَدِّثُ ) إِلَيْهِ ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَدْ أُجْمِلَتْ أَخْبَارُهَا وَبَيَّنَهَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ .
وَأُطْلِقَ الْوَحْيُ عَلَى أَمْرِ التَّكْوِينِ ، أَيْ : أَوْجَدَ فِيهَا أَسْبَابَ إِخْرَاجِ أَثْقَالِهَا فَكَأَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا بِكَلَامٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا الْآيَاتِ .
وَعُدِّيَ فِعْلُ ( أَوْحَى ) بِاللَّامِ لِتَضْمِينِ ( أَوْحَى ) مَعْنَى قَالَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ، وَإِلَّا فَإِنَّ حَقَّ ( أَوْحَى ) أَنْ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ ( إِلَى ) .
وَالْقَوْلُ الْمُضَمَّنُ هُوَ قَوْلُ التَّكْوِينِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْ فِعْلِ : قَالَ لَهَا إِلَى فِعْلِ أَوْحَى لَهَا ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ تَكْوِينٍ لَا عَنْ قَوْلٍ لَفْظِيٍّ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ، وَالْجَوَابُ هُوَ فِعْلُ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَصْدُرُ النَّاسُ ، وَقَوْلُهُ : ( يَوْمَئِذٍ ) يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ . وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالتَّذْكِيرِ بِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْوَالِهِ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ حُصُولِهِ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ الزِّلْزَالَ كَانَ إِنْذَارًا بِهَذَا الْحَشْرِ .
وَحَقِيقَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَصْدُرُ النَّاسُ الْخُرُوجُ مِنْ مَحَلِّ اجْتِمَاعِهِمْ ، يُقَالُ : صَدَرَ عَنِ الْمَكَانِ ، إِذَا تَرَكَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ صُدُورًا وَصَدَرًا بِالتَّحْرِيكِ . وَمِنْهُ الصَّدْرُ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ ، فَأُطْلِقَ هُنَا فِعْلُ ( يَصْدُرُ ) عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30349خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْحَشْرِ جَمَاعَاتٍ ، أَوِ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْمَحْشَرِ إِلَى مَأْوَاهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ ، تَشْبِيهًا بِانْصِرَافِ النَّاسِ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ .
[ ص: 494 ] وَأَشْتَاتٌ : جَمْعُ شَتٍّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَفَرِّقُ ، وَالْمُرَادُ : يَصْدُرُونَ مُتَفَرِّقِينَ جَمَاعَاتٍ كُلٌّ إِلَى جِهَةٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَمَا عُيِّنَ لَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ .
وَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ تَفَرُّقَهُمْ عَلَى حَسَبِ تَنَاسُبِ كُلِّ جَمَاعَةٍ فِي أَعْمَالِهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْخَيْرِ وَمَنَازِلِ الشَّرِّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ، أَيْ : يَصْدُرُونَ لِأَجْلِ
تَلَقِّي جَزَاءِ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَيُقَالُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ : انْظُرُوا أَعْمَالَكُمْ ، أَوِ انْظُرُوا مَآلَكُمْ .
وَبُنِيَ فِعْلُ ( لِيُرَوْا ) إِلَى النَّائِبِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رُؤْيَتُهُمْ أَعْمَالَهَمْ لَا تَعْيِينُ مَنْ يُرِيهِمْ إِيَّاهَا . وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى ضَمِّ التَّحْتِيَّةِ .
فَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَالْمَرْئِيُّ هُوَ مَنَازِلُ الْجَزَاءِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْعِلْمِ بِجَزَاءِ الْأَعْمَالِ ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ لَا تُرَى ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ لِأَهْلِهَا جَزَاؤُهَا .