ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون .
لما ذكر إنكارهم البعث أعقبه بوصف حالهم حين يحشرون إلى الله ، وهو حال البعث الذي أنكروه .
والقول في الخطاب وفي معنى وقفوا وفي جواب لو - تقدم في نظريتها آنفا . وتعليق ( على ربهم ) بـ ( وقفوا ) تمثيل لحضورهم المحشر عند البعث . شبهت حالهم في الحضور للحساب بحال عبد جنى فقبض عليه فوقف بين يدي ربه . وبذلك تظهر مزية التعبير بلفظ ربهم دون اسم الجلالة .
وجملة قال
أليس هذا بالحق استئناف بياني ، لأن قوله :
ولو ترى إذ وقفوا [ ص: 188 ] قد آذن بمشهد عظيم مهول فكان من حق السامع أن يسأل : ماذا لقوا من ربهم ، فيجاب : قال أليس هذا بالحق الآية .
والإشارة إلى البعث الذي عاينوه وشاهدوه . والاستفهام تقريري دخل على نفي الأمر المقرر به لاختبار مقدار إقرار المسئول ، فلذلك يسأل عن نفي ما هو واقع لأنه إن كان له مطمع في الإنكار تذرع إليه بالنفي الواقع في سؤال المقرر . والمقصود : أهذا حق ، فإنهم كانوا يزعمونه باطلا . ولذلك أجابوا بالحرف الموضوع لإبطال ما قبله وهو ( بلى ) فهو يبطل النفي فهو إقرار بوقوع المنى ، أي بلى هو حق ، وأكدوا ذلك بالقسم تحقيقا لاعترافهم للمعترف به لأنه معلوم لله تعالى ، أي نقر ولا نشك فيه فلذلك نقسم عليه .
وهذا من استعمال القسم لتأكيد لازم فائدة الخبر .
وفصل
قال فذوقوا العذاب على طريقة فصل المحاورات . والفاء للتفريع عن كلامهم ، أو فاء فصيحة ، أي إذ كان هذا الحق فذوقوا العذاب على كفركم ، أي بالبعث .
والباء سببية ، و ( ما ) مصدرية ، أي بسبب كفركم ، أي بهذا . وذوق العذاب استعارة لإحساسه ، لأن الذوق أقوى الحواس المباشرة للجسم ، فشبه به إحساس الجلد .