سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون
استئناف ناشئ عن قوله :
ليمكروا فيها وهو وعيد لهم على مكرهم وقولهم :
لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله .
فالمراد بالذين أجرموا أكابر المجرمين من المشركين
بمكة بقرينة قوله :
بما كانوا يمكرون فإن صفة المكر أثبتت لأكابر المجرمين في الآية السابقة ، وذكرهم بـ
الذين أجرموا إظهار في مقام الإضمار ؛ لأن مقتضى الظاهر أن يقال : سيصيبهم صغار ، وإنما خولف مقتضى الظاهر
[ ص: 56 ] للإتيان بالموصول حتى يومئ إلى علة بناء الخبر على الصلة ؛ أي : إنما أصابهم صغار وعذاب لإجرامهم .
والصغار - بفتح الصاد - الذل ، وهو مشتق من الصغر ، وهو القماءة ونقصان الشيء عن مقدار أمثاله .
وقد جعل الله عقابهم ذلا وعذابا ؛ ليناسب كبرهم وعتوهم وعصيانهم الله تعالى . والصغار والعذاب يحصلان لهم في الدنيا بالهزيمة وزوال السيادة وعذاب القتل والأسر والخوف ، قال تعالى :
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا وقد حصل الأمران يوم
بدر ويوم
أحد ، فهلكت سادة المشركين ؛ وفي الآخرة بإهانتهم بين أهل المحشر ، وعذابهم في جهنم .
ومعنى " عند الله " أنه صغار مقدر عند الله ، فهو صغار ثابت محقق ؛ لأن الشيء الذي يجعله الله تعالى يحصل أثره عند الناس كلهم ؛ لأنه تكوين لا يفارق صاحبه ، كما ورد في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341750إن الله إذا أحب عبدا أمر جبريل فأحبه ثم أمر الملائكة فأحبوه ثم يوضع له القبول عند أهل الأرض ، فلا حاجة إلى تقدير " من " في قوله :
عند الله ، ولا إلى جعل العندية بمعنى الحصول في الآخرة كما درج عليه كثير من المفسرين .
والباء في :
بما كانوا يمكرون سببية ، و ( ما ) مصدرية ؛ أي : بسبب مكرهم ؛ أي : فعلهم المكر ، أو موصولة ؛ أي : بسبب الذي كانوا يمكرونه ، على أن المراد بالمكر الاسم ، فيقدر عائد منصوب هو مفعول به محذوف .