(
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) البيع معروف ، والفعل منه باع يبيع ، ومن قال : أباع في معنى باع أخطأ .
الخلة : الصداقة كأنها تتخلل الأعضاء أي : تدخل خلالها ، والخلة الصديق ، قال الشاعر :
وكان لها في سالف الدهر خلة يسارق بالطرف الخباء المسترا
السنة والوسن : قيل : النعاس ، وهو الذي يتقدم النوم من الفتور قال الشاعر :
[ ص: 272 ] وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
ويبقى مع السنة بعض الذهن ، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن ، وهذا البيت يظهر منه التفرقة بين السنة والنوم . وقال
ابن زيد : الوسنان الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل ، حتى ربما جرد السيف على أهله ، وهذا الذي قاله
ابن زيد ليس بمفهوم من كلام العرب ; قال
المفضل : السنة ثقل في الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب . الكرسي : آلة من الخشب أو غيره معلومة ، يقعد عليها ، والياء فيه كالياء في قري ، ليست للنسب ، وجمعه كراسي ، وسيأتي تفسيره بالنسبة إلى الله تعالى ، آده الشيء يؤده : أثقله ، وتحمل منه مشقة ، قال الشاعر :
ألا ما لسلمى اليوم بت جديدها وضنت وما كان النوال يؤدها
الغي : مقابل الرشد ، يقال : غوى الرجل يغوي أي : ضل في معتقد أو رأي ، ويقال : أغوى الفصيل إذا بشم ، وإذا جاع على الضد . الطاغوت : بناء مبالغة من طغى يطغى ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري يطغو إذا جاوز الحد بزيادة عليه ، ووزنه الأصلي : فعلوت ، قلب إذ أصله : طغووت ، فجعلت اللام مكان العين ، والعين مكان اللام ، فصار طوغوت ، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فصار طاغوت ، ومذهب
أبي علي أنه مصدر كرهبوت وجبروت ، وهو يوصف به الواحد والجمع ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه اسم مفرد كأنه اسم جنس يقع للكثير والقليل ، وزعم
أبو العباس أنه جمع ، وزعم بعضهم أن التاء في طاغوت بدل من لام الكلمة ، ووزنه فاعول . العروة : موضع الإمساك وشد الأيدي والتعلق ، والعروة شجرة تبقى على الجذب لأن الإبل تتعلق بها في الخصب من : عروته : ألممت به متعلقا ، واعتراه ألم : تعلق به . الانفصام : الانقطاع ، وقيل : الانكسار من غير بينونة ، والقصم بالقاف الكسر ببينونة ، وقد يجيء الفصم بالفاء في معنى البينونة .
(
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر اصطفاء
طالوت على
بني إسرائيل ، وتفضل
داود عليهم بإيتائه الملك والحكمة وتعليمه ، ثم خاطب نبيه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأنه من المرسلين ، وكان ظاهر اللفظ يقتضي التسوية بين المرسلين ، بين بأن المرسلين متفاضلون أيضا ، كما كان التفاضل بين غير المرسلين ك
طالوت و
بني إسرائيل ، و ( تلك ) مبتدأ وخبره ( الرسل ) و ( فضلنا ) جملة حالية ، وذو الحال الرسل ، والعامل فيه اسم الإشارة . ويجوز أن يكون ( الرسل ) صفة لاسم الإشارة ، أو عطف بيان ، وأشار بتلك التي للبعيد لبعد ما بينهم من الأزمان وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل : الإشارة إلى الرسل الذين ذكروا في هذه السورة ، أو للرسل التي ثبت علمها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأولى أن تكون إشارة إلى المرسلين في قوله : (
وإنك لمن المرسلين ) ولا يلزم من ذلك علمه - صلى الله عليه وسلم - بأعيانهم بل أخبر أنه من جملة المرسلين ، وأن المرسلين فضل الله بعضهم على بعض ، وأتى بتلك ، التي للواحدة المؤنثة ، وإن كان المشار إليه جمعا ؛ لأنه جمع تكسير ، وجمع التكسير حكمه حكم الواحدة المؤنثة في الوصف ، وفي عود الضمير ، وفي غير ذلك ، وكان جمع تكسير هنا لاختصار اللفظ ، ولإزالة قلق التكرار ؛ لأنه لو جاء : أولئك المرسلون فضلنا ، كان اللفظ فيه طول ، وكان فيه التكرار والالتفات في ( نتلوها ) ، وفي ( فضلنا ) ؛ لأنه خروج إلى متكلم من غائب ، إذ قبله ذكر لفظ الله ، وهو لفظ غائب . والتضعيف في ( فضلنا ) للتعدية ، و ( على بعض ) متعلق بـ ( فضلنا ) قيل : والتفضيل بالفضائل بعد الفرائض أو الشرائع على غير ذي الشرائع ، أو بالخصائص كالكلام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
فضلنا بعضهم على بعض ) لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات ، انتهى . وفيه دسيسة اعتزالية . ونص تعالى في هذه الآية على تفضيل بعض الأنبياء على بعض في الجملة دون تعيين مفضول .
[ ص: 273 ] وهكذا جاء في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374002أنا سيد ولد آدم " . وقال : "
لا تفضلوني على موسى " وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374004لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .
(
منهم من كلم الله ) قرأ الجمهور بالتشديد ورفع الجلالة والعائد على ( من ) محذوف تقديره من كلمه ، وقرئ بنصب الجلالة والفاعل مستتر في ( كلم ) يعود على ( من ) ورفع الجلالة أتم في التفضيل من النصب ، إذ الرفع يدل على الحضور والخطاب منه تعالى للمتكلم ، والنصب يدل على الحضور دون الخطاب منه ، وقرأ
أبو المتوكل وأبو نهشل وابن السميقع : ( كالم الله ) بالألف ونصب الجلالة من المكالمة ، وهي صدور الكلام من اثنين ، ومنه قيل : كليم الله أي : مكالمه ، فعيل بمعنى مفاعل ، كجليس وخليط . وذكر التفضيل بالكلام وهو من أشرف تفضيل حيث جعله محلا لخطابه ومناجاته من غير سفير ، وتضافرت نصوص المفسرين هنا على أن المراد بالمكلم هنا هو
موسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374005وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آدم : أنبي مرسل ؟ فقال : " نعم نبي مكلم " . وقد صح في حديث الإسراء حيث ارتقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقام تأخر عنه فيه
جبريل ، أنه جرت بينه وبين ربه تعالى مخاطبات ومحاورات ، فلا يبعد أن يدخل تحت قوله : (
منهم من كلم الله ) :
موسى وآدم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد ثبت تكليم الله لهم . وفي قوله : (
كلم الله ) التفات ، إذ هو خروج إلى ظاهر غائب من ضمير متكلم ، لما في ذكر هذا الاسم العظيم من التفخيم والتعظيم ، ولزوال قلق تكرار ضمير المتكلم ، إذ كان يكون : فضلنا ، وكلمنا ، ورفعنا ، وآتينا .