الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين ) ( تلك ) إشارة للبعيد ، و ( آيات الله ) قيل : هي القرآن ، والأظهر أنها الآيات التي تقدمت في القصص السابق من خروج أولئك الفارين من الموت ، وإماتة الله لهم دفعة واحدة ، ثم أحياهم إحياءة واحدة ، وتمليك طالوت على بني إسرائيل وليس من أولاد ملوكهم ، والإتيان بالتابوت بعد فقده مشتملا على بقايا من إرث آل موسى وآل هارون ، وكونه تحمله الملائكة معاينة على ما نقل عن ترجمان القرآن ابن عباس ، وذلك الابتلاء العظيم بالنهر في فصل القيظ والسفر ، وإجابة من توكل على الله في النصرة ، وقتل داود جالوت ، وإيتاء الله إياه الملك والحكمة ، فهذه كلها آيات عظيمة خوارق ، تلاها الله على نبيه بالحق أي : مصحوبة بالحق لا كذب فيها ولا انتحال ، ولا بقول كهنة ، بل مطابقا لما في كتب بني إسرائيل ، ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذا القصص الحظ الأوفر في الاستنصار بالله والإعداد للكفار ، وأن كثرة العدد قد يغلبها المقل ، وأن الوثوق [ ص: 271 ] بالله والرجوع إليه هو الذي يعول عليه في الملمات ، ولما ذكر تعالى أنه تلا الآيات على نبيه أعلم أنه من المرسلين ، وأكد ذلك بـ ( إن ) واللام ، حيث أخبر بهذه الآية من غير قراءة كتاب ولا مدارسة أحبار ولا سماع أخبار .

وتضمنت الآيات الكريمة أخبار بني إسرائيل حيث استقيدوا تمليك طالوت عليهم أن لذلك آية تدل على تملكيه ، وهو أن التابوت الذي فقدتموه يأتيكم مشتملا على ما كان فيه من السكينة والبقية المخلفة عن آل موسى وآل هارون ، وأن الملائكة تحمله ، وإن في ذلك آية أي : آية لمن كان مؤمنا ؛ لأن هذا خارق عظيم . وفصل طالوت بالجنود وتبريزه بهم من ديارهم للقاء العدو يدل على أنهم ملكوه وانقادوا له ، وأخبرهم عن الله أنه مبتليهم بنهر فاحتمل أن يكون الله نبأه ، واحتمل أن يكون ذلك بإخبار نبيهم له عن الله ، وأن من شرب منه كرعا فليس منه إلا من اغترف غرفة بيده ، وأن من لم يطعمه فإنه منه ، وأخبر الله أنهم قد خالف أكثرهم فشربوا منه ، ولما عبروا النهر ورأوا ما هو فيه جالوت من العدد والعدد أخبروا أنهم لا طاقة لهم بذلك ، فأجابهم من أيقن بلقاء الله : بأن الكثرة لا تدل على الغلبة ، فكثيرا ما غلب القليل الكثير بتمكين الله وإقداره ، وأنه إذا كان الله مع الصابرين فهم المنصورون ، فحضوا على التصابر عند لقاء العدو ، وحين برزوا لأعدائهم ووقعت العين على العين لجئوا إلى الله تعالى بالدعاء والاستغاثة ، وسألوا منه الصبر على القتال وتثبيت الأقدام عند المداحض ، والنصر على من كفر به ، وكانت نتيجة هذا القول وصدق القتال أن مكنهم من أعدائهم وهزموهم وقتل ملكهم ، وإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، وأعطى الله داود ملك بني إسرائيل والنبوة وهي الحكمة ، وعلمه مما أراد أن يعلمه من الزبور ، وصنعة اللبوس ، وغير ذلك مما علمه ، ثم ذكر تعالى أن إصلاح الأرض هو بدفع بعض الناس بعضا ، فلولا أن دفع الله عن بني إسرائيل بهزيمة قوم جالوت وقتل داود جالوت ، لغلب عليهم أعداؤهم واستؤصلوا قتلا ونهبا وأسرا ، وكذلك من جرى مجراهم ، ولكن فضل الله هو السابق ، حيث لم يمكن منهم أعداءهم ، ومكنهم منهم ، ثم أخبر تعالى أن هذه الآيات التي تضمنت هذه العبر وهذه الخوارق تلاها الله على نبيه بالحق الذي لا شك فيه ، ثم أخبره أنه مرسل من جملة المرسلين الذين تقدموه في الزمان ، والرسالة فوق النبوة ، ودل على رسالته إخباره بهذا القصص المتضمن للآيات الباهرة الدالة على صدق من أخبر بها ، من غير أن يعلمه بها معلم إلا الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية