(
إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ) المراد بالولد الابن ، وهو اسم مشترك يجوز استعماله للذكر والأنثى ، لأن الابن يسقط الأخت ، ولا تسقطها البنت إلا في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والمراد بالأخت الشقيقة ، أو التي لأب دون التي لأم ، لأن الله فرض لها النصف ، وجعل أخاها عصبة . وقال :
للذكر مثل حظ الأنثيين . وأما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث ، سوى بينها وبين أخيها . وارتفع
امرؤ على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ، والجملة من قوله :
ليس له ولد ، في موضع الصفة لـ
امرؤ ; أي : إن هلك امرؤ غير ذي ولد . وفيه دليل على جواز الفصل بين النعت والمنعوت بالجملة المفسرة في باب الاشتغال ، فعلى هذا القول زيدا
[ ص: 407 ] ضربته العاقل . وكلما جاز الفصل بالخبر جاز بالمفسر ، ومنع
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون قوله :
ليس له ولد ، جملة حالية من الضمير في هلك ، فقال : ومحل
ليس له ولد الرفع على الصفة ، لا النصب على الحال . وأجاز
أبو البقاء فقال :
ليس له ولد الجملة في موضع الحال من الضمير في هلك ،
وله أخت جملة حالية أيضا . والذي يقتضيه النظر أن ذلك ممتنع ، وذلك أن المسند إليه حقيقة إنما هو الاسم الظاهر المعمول للفعل المحذوف ، فهو الذي ينبغي أن يكون التقييد له ، أما الضمير فإنه في جملة مفسرة لا موضع لها من الإعراب ، فصارت كالمؤكدة لما سبق . وإذا تجاذب الاتباع والتقييد مؤكد أو مؤكد بالحكم ، إنما هو للمؤكد ، إذ هو معتمد الإسناد الأصلي . فعلى هذا لو قلت : ضربت زيدا ضربت زيدا العاقل ، انبغى أن يكون العاقل نعتا لزيدا في الجملة الأولى ، لا لزيدا في الجملة الثانية ، لأنها جملة مؤكدة للجملة الأولى . والمقصود بالإسناد إنما هو الجملة الأولى لا الثانية . قيل : وثم معطوف محذوف للاختصار ، ودلالة الكلام عليه . والتقدير : ليس له ولد ولا والد .
وهو يرثها إن لم يكن لها ولد أي : إن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها . والمراد بالولد هنا الابن ، لأن الابن يسقط الأخ دون البنت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : الابن لا يسقط الأخ وحده ، فإن الأب نظيره في الإسقاط ، فلم اقتصر على نفي الولد ( قلت ) : وكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله ، عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374302ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر ، الأب أولى من الأخ ، وليسا بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة . ويجوز أن يدل بحكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد ، لأن الولد أقرب إلى الميت من الوالد . فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب ، فأولى أن يرث عند انتفاء الأبعد ، ولأن الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعا ، فكان ذكر انتفاء أحدهما دالا على انتفاء الآخر . انتهى كلامه . والضمير في قوله : ( وهو ) وفي ( يرثها ) ، عائد إلى ما تقدم لفظا دون معنى ، فهو من باب عندي درهم ونصفه ، لأن الهالك لا يرث ، والحية لا تورث ، ونظيره في القرآن :
وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره . وهذه الجملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب ، وهي دليل جواب الشرط الذي بعدها .
(
فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) قالوا : الضمير في
كانتا ضمير أختين دل على ذلك قوله :
وله أخت . وقد تقرر في علم العربية
[ ص: 408 ] أن الخبر يفيد ما لا يفيده الاسم . وقد منع
أبو علي وغيره : سيد الجارية مالكها ، لأن الخبر أفاد ما أفاده المبتدأ . والألف في
كانتا تفيد التثنية كما أفاده الخبر ، وهو قوله
اثنتين . وأجاب الأخفش وغيره بأن قوله :
اثنتين يدل على عدم التقييد بالصغر أو الكبر أو غيرهما من الأوصاف ، فاستحق الثلثان بالاثنينية مجردة عن القيود ، فلهذا كان مفيدا وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الألف في الضمير للاثنتين يدل أيضا على مجرد الاثنينية من غير اعتبار قيد ، فصار مدلول الألف ومدلول اثنتين سواء ، وصار المعنى : فإن كانتا الأختان اثنتين ، ومعلوم أن الأختين اثنتان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله :
فإن كانتا اثنتين ،
وإن كانوا إخوة ( قلت ) : أصله فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ، وإن كان من يرث بالأخوة ذكورا وإناثا . وإنما قيل :
فإن كانتا ، وإن كانوا ; كما قيل : من كانت أمك ، فكما أنث ضمير ( من ) لمكان تأنيث الخبر ، كذلك ثنى ، وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا ، لمكان تثنية الخبر وجمعه . انتهى . وهو تابع في هذا التخريج غيره ، وهو تخريج لا يصح ، وليس نظير " من كانت أمك " لأن من صرح بها ولها لفظ ومعنى . فمن أنث راعى المعنى ، لأن التقدير : أية أم كانت أمك . ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم ، بخلاف الآية ، فإن المدلولين واحد ، ولم يؤنث في من كانت أمك لتأنيث الخبر ، إنما أنث مراعاة لمعنى من إذ أراد بها مؤنثا . ألا ترى أنك تقول : من قامت فتؤنث مراعاة للمعنى إذا أردت السؤال عن مؤنث ، ولا خبر هنا فيؤنث قامت لأجله . والذي يظهر لي في تخريج الآية غير ما ذكر . وذلك وجهان : أحدهما : إن الضمير في كانتا لا يعود على ( أختين ) إنما هو يعود على الوارثتين ، ويكون ثم صفة محذوفة ، واثنتين بصفته هو الخبر ، والتقدير : فإن كانت الوارثتان اثنتين من الأخوات فلهما الثلثان مما ترك ، فيفيد إذ ذاك الخبر ما لا يفيد الاسم ، وحذف الصفة لفهم المعنى جائز ; والوجه الثاني : أن يكون الضمير عائدا على الأختين كما ذكروا ، ويكون خبر كان محذوفا لدلالة المعنى عليه ، وإن كان حذفه قليلا ، ويكون اثنتين حالا مؤكدة ; والتقدير : فإن كانت أختان له ; أي : للمرء الهالك . ويدل على حذف الخبر الذي هو له : وله أخت ، فكأنه قيل : فإن كانت أختان له ، ونظيره أن تقول : إن كان لزيد أخ فحكمه كذا ، وإن كان أخوان فحكمهما كذا . تريد وإن كان أخوان له .
(
وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) يعني أنهم يحوزون المال على ما تقرر في إرث الأولاد من أن للذكر مثل حظ الأنثيين . والضمير في ( كانوا ) إن عاد على الإخوة فقد أفاد الخبر بالتفصيل المحتوي على الرجال والنساء ، ما لم يفده الاسم ، لأن الاسم ظاهر في الذكور . وإن عاد على الوارث فظهرت إفادة الخبر ما يفيد المبتدأ ظهورا واضحا . والمراد بقوله : إخوة : الإخوة والأخوات ، وغلب حكم المذكر . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : فإن للذكر مثل حظ الأنثيين .
(
يبين الله لكم أن تضلوا )
أن تضلوا مفعول من أجله ، ومفعول يبين محذوف ; أي : يبين لكم الحق . فقدره
البصري nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد وغيره
[ ص: 409 ] كراهة أن تضلوا . وقرأ
الكوفي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وتبعهم
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : لأن لا تضلوا ، وحذف لا ، ومثله عندهم قول
القطامي :
رأينا ما رأى البصراء منا فآلينا عليها أن تباعا
أي : أن لا تباعا ، وحكى
أبو عبيدة قال : حدثت
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي بحديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فيه : لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله إجابة ; فاستحسنه أي : لئلا يوافق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو مثل قوله
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا . أي : لأن لا تزولا ; ورجح
أبو علي قول
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد بأن قال حذف المضاف أسوغ وأشبع من حذف لا . وقيل ،
أن تضلوا : مفعول به ; أي : يبين الله لكم الضلالة أن تضلوا فيها .
(
والله بكل شيء عليم ) يعلم مصالح العباد في المبدأ والمعاد ، وفيما كلفهم به من الأحكام . وقال
أبو عبد الله الرازي : في هذه السورة لطيفة عجيبة وهي أن أولها مشتمل على كمال تنزه الله تعالى وسعة قدرته ، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم ، وهذان الوصفان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلال والعزة ، وبهما يجب أن يكون العبد منقادا للتكاليف . وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع . فمن ذلك الطباق في : حرمنا
وأحلت ، وفي : فآمنوا وإن تكفروا . والتكرار في :
وما قتلوه ، وفي : وأوحينا ، وفي :
ورسلا ، وفي : يشهد و يشهدون ، وفي : كفروا ، وفي :
مريم ، وفي : اسم الله . والالتفات في : فسوف نؤتيهم ، وفي : فسنحشرهم وما بعد ( ما ) في قراءة من قرأ بالنون . والتشبيه في :
كما أوحينا . والاستعارة في :
الراسخون وهي في الأجرام استعيرت للثبوت في العلم والتمكن فيه ، وفي : سبيل الله ، وفي : يشهد ، وفي : طريقا ، وفي :
لا تغلوا ; والغلو حقيقة في ارتفاع السعر ، وفي : وكيلا استعير لإحاطة علم الله بهم ، وفي :
فيوفيهم أجورهم استعير للمجازاة . والتجنيس المماثل في :
يستفتونك و يفتيكم . والتفصيل في :
فأما الذين آمنوا وأما الذين استنكفوا . والحذف في عدة مواضع .