[ ص: 396 ] قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ناداه نداء استضعاف وترفق وكان شقيقه وهي عادة العرب تتلطف وتتحنن بذكر الأم ، كما قال :
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي وقال آخر : يا ابن أمي فدتك نفسي ومالي
وأيضا فكانت أمهما مؤمنة ، قالوا : وكان أبوه مقطوعا عن القرابة بالكفر ، كما قال تعالى
لنوح عليه السلام :
إنه ليس من أهلك ، وأيضا لما كان حقها أعظم لمقاساتها الشدائد في حمله وتربيته والشفقة عليه ذكره بحقها ، وقرأ الحرميان
وأبو عمرو وحفص : ابن أم بفتح الميم ، فقال
الكوفيون : أصله يا ابن أماه ، فحذفت الألف تخفيفا ، كما حذفت في يا غلام ، وأصله يا غلاما ، وسقطت هاء السكت ; لأنه درج ، فعلى هذا الاسم معرب ; إذ الألف منقلبة عن ياء المتكلم ، فهو مضاف إليه ابن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هما اسمان بنيا على الفتح كاسم واحد ، كخمسة عشر ونحوه ، فعلى قوله : ليس مضافا إليه ابن والحركة حركة بناء ، وقرأ باقي السبعة بكسر الميم ، فقياس قول
الكوفيين أنه معرب وحذفت ياء المتكلم واجتزئ بالكسرة عنها ، كما اجتزأوا بالفتحة عن الألف المنقلبة عن ياء المتكلم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هو مبني أضيف إلى ياء المتكلم ، كما قالوا : يا أحد عشر أقبلوا ، وحذفت الياء واجتزأوا بالكسرة عنها ، كما اجتزأوا في : يا قوم ولو كانا باقيين على الإضافة لم يجز حذف الياء ; لأن الاسم ليس بمنادى ولكنه مضاف إليه المنادى ، فلا يجوز حذف الياء منه ، وقرئ بإثبات ياء الإضافة ، وأجود اللغات الاجتزاء بالكسرة عن ياء الإضافة ، ثم قلب الياء ألفا والكسرة قبلها فتحة ، ثم حذف التاء وفتح الميم ، ثم إثبات التاء مفتوحة أو ساكنة ، وهذه اللغات جائزة في ابنة أمي وفي ابن عمي وابنة عمي ، وقرئ يا ابن أمي بإثبات الياء ، وابن إم بكسر الهمزة والميم ، ومعمول القول المنادى ، والجملة بعده المقصود بها تخفيف ما أدرك
موسى من الغضب والاستعذار له بأنه لم يقصر في كفهم من الوعظ والإنذار وما بلغته طاقته ، ولكنهم استضعفوه فلم يلتفتوا إلى وعظه ، بل قاربوا أن يقتلوه ، ودل هذا على أنه بالغ في الإنكار عليهم حتى هموا بقتله ، ومعنى : استضعفوني وجدوني ، فهي بمعنى إلفاء الشيء بمعنى ما صيغ منه ، أي : اعتقدوني ضعيفا ، وتقدم ذلك في قوله :
للذين استضعفوا ولما أبدى له ما كان منهم من الاستضعاف له ومقاربة قتلهم إياه سأله ترك ما يسرهم بفعله فقال :
فلا تشمت بي الأعداء ، أي : لا تسرهم بما تفعل بي فأكون ملوما منهم ومنك ، وقال الشاعر :
والموت دون شماتة الأعداء
وقرأ
ابن محيصن : ( تشمت ) بفتح التاء وكسر الميم ونصب : ( الأعداء )
ومجاهد كذلك ، إلا أنه فتح الميم ، وشمت متعدية كأشمت ، وخرج
أبو الفتح قراءة
مجاهد على أن تكون لازمة ، والمعنى : فلا تشمت أنت يا رب ، وجاز هذا ، كما قال
الله يستهزئ بهم ، ونحو ذلك ، ثم عاد إلى المراد ، فأضمر فعلا نصب به الأعداء ، كقراءة الجماعة ، انتهى ، وهذا خروج عن الظاهر وتكلف في الإعراب ، وقد روي تعدي شمت لغة ، فلا يتكلف أنها لازمة مع نصب الأعداء ، وأيضا قوله :
الله يستهزئ بهم إنما ذلك على سبيل المقابلة لقولهم :
إنما نحن مستهزئون فقال :
الله يستهزئ بهم وكقوله :
ويمكرون ويمكر الله ولا يجوز ذلك ابتداء من غير مقابلة ، وعن
مجاهد : ( فلا تشمت ) بفتح التاء والميم ، ورفع : ( الأعداء ) ، وعن
حميد بن قيس كذلك إلا أنه كسر الميم جعلاه فعلا لازما فارتفع به الأعداء ، فظاهره أنه نهى الأعداء عن الشماتة به ، وهو من باب لا أرينك هنا ، والمراد نهيه أخاه ، أي : لا تحل بي مكروها فيشمتوا بي ، وبدأ أولا بسؤال أخيه أن لا يشمت به الأعداء ؛ لأن ما يوجب الشماتة هو فعل مكروه ظاهر لهم فيشمتوا به فبدأ بالأوكد ثم سأله أن لا يجعله ويعتقده واحدا من الظالمين ; إذ جعله معهم واعتقاده من جملتهم هو فعل قلبي ، وليس ظاهرا
لبني إسرائيل ، أو يكون المعنى : ولا تجعلني في موجدتك علي قرينا لهم مصاحبا لهم .