الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ، أي : الألواح التوراة وكان حاملا لها ، فوضعها بالأرض غضبا على ما فعله قومه من عبادة العجل وحمية لدين الله ، وكان - كما تقدم - شديد الغضب ، وقالوا : كان هارون ألين منه خلقا ، ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل منه . وقيل : ألقاها دهشا لما دهمه من أمرهم ، وعن ابن عباس : أن موسى - عليه السلام - لما ألقاها تكسرت ، فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء ، وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة ، وهو الذي أخذ بعد ذلك ، وروى أنه رفع ستة أسباعها وبقي سبع ، قاله جماعة من المفسرين ، وقال أبو الفرج بن الجوزي : لا يصح أنه رماها رمي كاسر ، انتهى ، والظاهر أنه ألقاها من يديه لأنهما كانتا مشغولتين بها وأراد إمساك أخيه وجره ، ولا يتأتى ذلك إلا بفراغ يديه لجره ، وفي قوله : ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح دليل على أنها لم تتكسر ، ودليل على أنه لم يرفع منها شيء ، والظاهر أنه أخذ برأسه ، أي : أمسك رأسه جاره إليه ; وقيل : بشعر رأسه ; وقيل : بذوائبه ولحيته ; وقيل : بلحيته ; وقيل : بأذنه ; وقيل : لم يأخذ حقيقة ، وإنما كان ذلك إشارة ، فخشي هارون أن يتوهم الناظر إليهما أنه لغضب ، فلذلك نهاه ورغب إليه ، والظاهر أن سبب هذا الأخذ هو غضبه على أخيه ، وكيف عبدوا العجل وهو قد استخلفه فيهم وأمره بالإصلاح وأن لا يتبع سبيل من أفسد ، وكيف لم يزجرهم ويكفهم عن ذلك ، ويدل على هذا الظاهر قوله : ولما سكت عن موسى الغضب وقوله : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ، قال الزمخشري : أي : بشعر رأسه يجره إليه بذوائبه ، وذلك لشدة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته ، وظنا بأخيه أن فرط في الكف ; وقيل : ذلك الأخذ والجر كان ليسر إليه أنه نزل عليه الألواح في مناجاته وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل ، فنهاه هارون لئلا يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله ; وقيل : ضمه ليعلم ما لديه ، فكره ذلك هارون لئلا يظنوا إهانته ، وبين له أخوه أنهم استضعفوه ; وقيل : كان ذلك على سبيل الإكرام لا على سبيل الإهانة ، كما تفعل العرب من قبض الرجل على لحية أخيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية