واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ( اختار ) افتعل من الخير ، وهو التخير والانتقاء : واختار من الأفعال التي تعدت إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بوساطة حرف الجر ، وهي مقصورة على السماع ، وهي : اختار واستغفر وأمر وكنى ودعا وزوج وصدق ، ثم يحذف حرف الجر ويتعدى إليه الفعل فيقول : اخترت زيدا من الرجال ، واخترت زيدا الرجال . قال الشاعر :
اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم واعتل من كان يرجى عنده السول
[ ص: 399 ] أي اخترتك من الناس و : سبعين هو المفعول الأول ، و : قومه هو المفعول الثاني ، وتقديره : من قومه ومن أعرب : قومه مفعولا أول ، و سبعين بدلا منه بدل بعض من كل وحذف الضمير ، أي : سبعين رجلا منهم احتاج إلى تقدير مفعول ثان ، وهو المختار منه ، فإعرابه فيه بعد وتكلف حذف في رابط البدل وفي المختار منه ، واختلفوا في هذا الميقات : أهو ميقات المناجاة ونزول التوراة أو غيره ؟ فقال
نوف البكالي ورواه
أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو الأول بين فيه بعض ما جرى من أحواله وأنه اختار من كل سبط ستة رجال فكانوا اثنين وسبعين ، فقال ليتخلف اثنان : فإنما أمرت بسبعين فتشاحوا ، فقال : من قعد فله أجر من حضر ، فقعد
كالب بن يوقنا ،
ويوشع بن نون ، واستصحب السبعين بعد أن أمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ، ثم خرج بهم إلى
طور سيناء لميقات ربه ، وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من
بني إسرائيل ، فلما دنا
موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا
موسى ودخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا فدنوا ، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجدا ، فسمعوه وهو يكلم
موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل ، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه
فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم ، فقالوا :
ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فقال :
رب أرني أنظر إليك يريد أن يسمعوا الرد والإنكار من جهته ، فأجيب : بلن تراني ، ورجف الجبل بهم وصعقوا ، انتهى ; وقيل : هو ميقات آخر غير ميقات المناجاة ونزول التوراة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : قال
بنو إسرائيل لموسى : إن طائفة تزعم أن الله لا يكلمك فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه فيؤمنوا ، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من قومه سبعين من خيارهم ، ثم ارتق بهم الجبل أنت
وهارون واستخلف
يوشع ، ففعل فلما سمعوا كلامه سألوا
موسى أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الرجفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هو ميقات وقته الله تعالى لموسى يلقاه في ناس من
بني إسرائيل ليعتذروا إليه من عبادة العجل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيما روى عنه
علي بن طلحة : هو ميقات وقته الله لموسى وأمره أن يختار من قومه سبعين رجلا ليدعوا ربهم فدعوا ، فقالوا : يا الله أعطنا ما لم تعط أحدا قبلنا ولا أحدا بعدنا ، فكره الله ذلك فأخذتهم الرجفة ، وعن
علي رضي الله عنه فيما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة أن
موسى وهارون وابناه
شبر وشبير انطلقوا حتى انتهوا إلى جبل فيه سرير ، فقام عليه
هارون فقبض روحه ، فرجع
موسى إلى قومه ، فقالوا : أنت قتلته وحسدتنا على خلقه ولينه ، فقال : كيف أقتله ومعي ابناه ، قال : فاختاروا من شئتم ، فاختير سبعون فانتهوا إليه فقالوا : من قتلك يا
هارون ؟ قال : ما قتلني أحد ولكن الله توفاني ، قالوا : يا
موسى ما نعصي بعد ، فأخذتهم الرجفة فجعلوا يتردون يمينا وشمالا ، انتهى ، ولفظ : لميقاتنا في هذا القول الذي روي عن
علي ; لأنه يقتضي أنه كان عن توقيت من الله تعالى ، وقال
ابن السائب : كان
موسى لا يأتي ربه إلا بإذن منه ، والذي يظهر أن هذا الميقات غير ميقات
موسى الذي قيل فيه :
ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه لظاهر تغاير القصتين وما جرى فيهما ; إذ في تلك أن
موسى كلمه الله وسأله الرؤية وأحاله في الرؤية على تجليه للجبل وثبوته فلم يثبت وصار دكا وصعق
موسى ، وفي هذه اختير السبعون لميقات الله وأخذتهم الرجفة ولم تأخذ
موسى ، وللفصل الكثير الذي بين أجزاء الكلام لو كانت قصة واحدة .