المسألة الرابعة
اعلم أن التحقيق أنه يجب
تقديم الصلوات الفوائت على الصلاة الحاضرة ، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث
جابر رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008252أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش ، قال يا رسول الله ، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله ما صليتها " فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها ، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب . اهـ .
فهذا الحديث المتفق عليه فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر قضاء بعد غروب الشمس ، وقدمها على المغرب ، وهو نص صحيح صريح في تقديم الفائتة على الحاضرة ، والمقرر في الأصول : أن
أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة من قرينة الوجوب وغيره تحمل على الوجوب ، لعموم النصوص الواردة بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ، وللاحتياط في الخروج من عهدة التكليف .
ومن أظهر الأدلة في ذلك أنه لما خلع نعله في الصلاة فخلع أصحابه نعالهم تأسيا به صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلموا أن
جبريل أخبره أن بباطنها أذى ، وسألهم صلى الله عليه وسلم لم خلعوا نعالهم ؟ وأجابوا بأنهم رأوه خلع نعله - وهو فعل مجرد من قرائن الوجوب وغيره - أقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم ، فدل ذلك على لزوم التأسي به في أفعاله المجردة من القرائن ، والحديث وإن ضعفه بعضهم بالإرسال فقد رجح بعضهم وصله .
والأدلة الكثيرة الدالة على وجوب
التأسي به صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة شاهدة له ، وإلى كون أفعاله صلى الله عليه وسلم المجردة من القرائن تحمل على الوجوب أشار في " مراقي السعود " في كتاب السنة بقوله :
وكل ما الصفة فيه تجهل فللوجوب في الأصح يجعل
[ ص: 458 ] وفي حمله على الوجوب مناقشات معروفة في الأصول ، انظرها في ) نشر البنود ( وغيره .
ويعتضد ما ذكرنا من أن فعله المجرد الذي هو تقديم العصر الفائتة على المغرب الحاضرة يقتضي الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007269صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وقال الحافظ في ) فتح الباري ( في استدلال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على تقديم الأولى من الفوائت فالأولى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم المذكور ما نصه : ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بترتيب الفوائت ، إلا إذا قلنا : إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب ، اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007269صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذا . انتهى منه .
ونحن نقول : الأظهر أن الأفعال المجردة تقتضي الوجوب كما جزم به صاحب المراقي في البيت المذكور ، وكذلك عموم حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007269صلوا كما رأيتموني أصلي " يقتضي ذلك أيضا ، والعلم عند الله تعالى .
واعلم أنه إن تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق ، فقد اختلف العلماء :
هل يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو لا ؟ إلى ثلاثة مذاهب :
الأول : أنه يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة ، هو مذهب
مالك وجل أصحابه .
الثاني : أن يبدأ بالحاضرة محافظة على الوقت ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأكثر أصحاب الحديث .
الثالث : أنه يخير في تقديم ما شاء منهما ، وهو قول
أشهب من أصحاب
مالك ، قال
عياض : ومحل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت ، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة ، واختلفوا في حد القليل في ذلك ، فقيل صلاة يوم ، وقيل أربع صلوات .