المسألة السابعة
اعلم أن الناس اختلفوا في
تعلم السحر من غير عمل به . هل يجوز أو لا ؟ ، والتحقيق وهو الذي عليه الجمهور : هو أنه لا يجوز ، ومن أصرح الأدلة في ذلك تصريحه تعالى بأنه يضر ولا ينفع في قوله : ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم [ 2 102 ] وإذا أثبت الله أن السحر ضار ونفى أنه نافع فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه ؟ !
وجزم
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي في تفسيره في سورة " البقرة " بأنه جائز بل واجب . قال ما نصه :
( المسألة الخامسة ) في أن العلم بالسحر غير قبيح ، ولا محظور ، اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف ، وأيضا لعموم قوله تعالى :
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [ 39 9 ] ، ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة ، والعلم بكون المعجز معجزا واجب ، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب ، فهذا
[ ص: 56 ] يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا ، وما يكون واجبا كيف يكون حراما وقبيحا . انتهى منه بلفظه .
ولا يخفى سقوط هذا الكلام وعدم صحته . وقد تعقبه
ابن كثير في تفسيره بعد أن نقله عنه بلفظه الذي ذكرنا بما نصه :
وهذا الكلام فيه نظر من وجوه : أحدها قوله : " العلم بالسحر ليس بقبيح " إن عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من
المعتزلة يمنعون هذا ، وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعا ففي هذه الآية الكريمة يعني قوله تعالى
ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم تبشيع لعلم السحر . وفي السنن "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008300من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " ، وفي السنن "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008301من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر " وقوله " ولا محظور ، اتفق المحققون على ذلك " كيف لا يكون محظورا مع ما ذكرنا من الآية ، والحديث ، واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم . وأين نصوصهم على ذلك ! !
ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى :
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [ 39 9 ] فيه نظر . لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي ، ولما قلت إن هذا منها ! ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف بل فاسد . لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلا . ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة ، والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز ، ويفرقون بينه وبين غيره ، ولم يكونوا يعلمون السحر ، ولا تعلموه ، ولا علموه ، والله أعلم . انتهى .
ولا يخفى أن كلام
ابن كثير هذا صواب ، وأن رده على
الرازي واقع موقعه ، وأن تعلم السحر لا ينبغي أن يختلف في منعه . لقوله جل وعلا :
ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم [ 2 102 ] . وقول
ابن كثير في كلامه المذكور : وفي الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008302من أتى عرافا أو كاهنا . . إلخ " إن كان يعني أن الحديث بذلك صحيح فلا مانع ، وإن كان يعني أنه في الصحيحين أو أحدهما فليس كذلك . وبذلك كله تعلم أن قول
ابن حجر في ( فتح الباري ) : وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأمرين : إما لتمييز ما فيه كفر من غيره . وإما لإزالته عمن وقع فيه .
فأما الأول : فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد ، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء
[ ص: 57 ] بمجرده لا تستلزم منعا . كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان . لأن كيفية ما يعلمه الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل ، بخلاف تعاطيه ، والعمل به .
وأما الثاني : فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا ، وإلا جاز للمعنى المذكور . ا ه خلاف التحقيق ، إذ ليس لأحد أن يبيح ما صرح الله بأنه يضر ، ولا ينفع ، مع أن تعلمه قد يكون ذريعة للعمل به ، والذريعة إلى الحرام يجب سدها كما قدمناه . قال في المراقي :
سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم
هذا هو الظاهر لنا . والعلم عند الله تعالى .