1. الرئيسية
  2. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
  3. سورة الصف
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
صفحة جزء
[ ص: 104 ] بسم الله الرحمن الرحيم سورة الصف

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( 2 ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( 3 ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( 4 ) .

في الآية الأولى إنكار على الذين يقولون ما لا يفعلون ، وفي الآية الثانية بيان شدة غضب الله ومقته على من يكون كذلك ، ولكن لم يبين هنا القول المغاير للفعل المنهي عنه ، والمعاتبين عليه والمستوجب لشدة الغضب إلا أن مجيء الآية الثالثة بعدهما يشعر بموضوع القول والفعل ، وهو الجهاد في سبيل الله .

وقد اتفقت كلمة علماء التفسير على أن سبب النزول مع تعدده عندهم أنه حول الجهاد في سبيل الله من رغبة في الإذن لهم في الجهاد ومعرفة أحب الأعمال إلى الله ، ونحو ذلك .

وقد بين القرآن في عدة مواضع أن موضوع الآيتين الأولى والثانية فيما يتعلق بالجهاد وتمنيهم إياه .

من ذلك قوله تعالى عنهم : ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت [ 47 \ 20 ] .

ومنها قوله تعالى : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب [ 4 \ 77 ] .

ومنها قوله تعالى : ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا [ ص: 105 ] [ 33 \ 15 ] .

ففي الآية الأولى : تمنوا نزول سورة يؤذن فيها بالقتال ، فلما نزلت صار مرضى القلوب كالمغشي عليه من الموت .

وفي الثانية : قيل لهم كفوا أيديكم عن القتال ، فتمنوا الإذن لهم فيه ، فلما كتب عليهم رجعوا وتمنوا لو أخرجوا إلى أجل قريب .

وفي الثالثة : أعطوا العهود على الثبات وعدم التولي ، وكان عهد الله مسئولا ، فلما كان في أحد وقع ما وقع وكذلك في حنين ، ويشهد لهذا أيضا قوله تعالى : وإذ قالت طائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار الآية [ 33 \ 13 - 15 ] .

ففي هذا السياق بيان لعتابهم على نقض العهد ، وهو معنى : لم تقولون ما لا تفعلون سواء بسواء ، ويقابل هذا أن الله تعالى امتدح طائفة أخرى منهم حين أوفوا بالعهد ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه في قوله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [ 33 \ 23 ] .

ثم بين الفرق بين الفريقين بقوله بعدها : ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا الآية [ 33 \ 24 - 25 ] ، وذلك في غزوة الأحزاب .

فتبين بهذا أن الفعل المغاير للقول هنا هو عدم الوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم من قبل فاستوجبوا العتاب عليه ، كما تبين أن الذين وفوا بالعهد استوجبوا الثناء على الوفاء ، وقد استدل بالآية من عموم لفظها على الإنكار على كل من خالف قوله فعله ، سواء في عهد أو وعد أو أمر أو نهي .

ففي الأمر والنهي كقوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [ 2 \ 44 ] .

وكقوله عن نبي الله شعيب لقومه : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [ 11 \ 88 ] .

[ ص: 106 ] وفي العهد قوله : وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا [ 17 \ 34 ] .

ومن هذا الوجه ، فقد بحثها الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - في عدة مواضع ، منها في سورة هود عند قول شعيب المذكور .

ومنها عند قوله تعالى : واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد [ 19 \ 54 ] ، في سورة " مريم " .

وبحث فيها الوفاء بالوعد ، والفرق بين الوعد والوعيد ، والوفاء بالوعد والخلف في الوعيد ، وعقد لها مسألة ، وساق آيتي " الصف " هناك .

التالي السابق


الخدمات العلمية