[ ص: 114 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الماعون
قوله تعالى :
أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين .
الذي يكذب بالدين ، فيه اسم الموصول مبهم بينه ما بعده ، وهو الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين .
وقد بين تعالى في آية أخرى ، أن الإيمان بيوم الدين يحمل صاحبه على إطعام اليتيم والمسكين في قوله تعالى :
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا [ 76 \ 8 ] .
ثم قال مبينا الدافع على إطعامهم إياهم :
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [ 76 \ 9 - 10 ] .
وهنا سؤال : وهو لم خص المكذبين بيوم الدين عمن يرتكب هذين الأمرين دع اليتيم ، وهو دفعه وزجره ، وعدم الحض على إطعام المسكين ، وبالتالي عدم إطعامه هو من عنده ؟
والجواب : أنهما نموذجان ، ومثالان فقط .
والأول منهما : مثال للفعل القبيح .
والثاني : مثال للترك المذموم .
ولأنهما عملان إن لم يكونا إسلاميين فهما إنسانيان قبل كل شيء .
وفي الآية الأخرى توجيه للجواب ، وهو أن المؤمن يخاف من الله يوما عبوسا ، وعبر بالعبوس في حق يوم القيامة ، لئلا يعبس هو في وجه اليتيم والمسكين لضعفهما .
ومن جانب آخر فإن كان
التكذيب بيوم الدين يحمل على كل الموبقات ، إلا أنها
[ ص: 115 ] قد تجد ما يمنع منها ، كالقتل والزنا والخمر لتعلق حق الآخرين ، وكذلك السرقة والنهب .
أما إيذاء اليتيم وضياع المسكين ، فليس هناك من يدفع عنه ، ولا يمنع إيذاء هؤلاء عنهما ، وليس لديهما الجزاء الذي ينتظره أولئك منهم على الإحسان إليهم .
وجبلت النفوس على ألا تبذل إلا بعوض ، ولا تكف إلا عن خوف ، فالخوف مأمون من جانبي اليتيم والمسكين ، والجزاء غير مأمول منهما ، فلم يبق دافع للإحسان إليهما ، ولا رادع عن الإساءة لهما إلا الإيمان بيوم الدين والجزاء ، فيحاسب الإنسان على مثقال الذرة من الخير .
وقيل : إن دع اليتيم : هو طرده عن حقه ، وعدم الحض على طعام المسكين : عدم إخراج الزكاة .
ولكن في الآية ما يمنع ذلك ; لأن الزكاة إنما يطالب بها المؤمن ، والسياق فيمن يكذب بيوم الدين فلا زكاة .