المسألة الحادية عشرة : أجمع العلماء على أن
صيد الحرم المكي ممنوع ، وأن
قطع شجره ، ونباته حرام ، إلا الإذخر ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح
مكة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007504 " إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ، ولا يختلى خلاه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته ، إلا لمعرف " . فقال [ ص: 449 ] العباس : إلا الإذخر ; فإنه لا بد لهم منه ، فإنه للقيون والبيوت ، فقال : " إلا الإذخر " ، متفق عليه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007505أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة قال : " لا ينفر صيدها ، ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " ، فقال العباس : إلا الإذخر ; فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إلا الإذخر " ، متفق عليه أيضا ، وفي لفظ " لا يعضد شجرها " ، بدل قوله " لا يختلى شوكها " ، والأحاديث في الباب كثيرة .
واعلم أن
شجر الحرم ونباته طرفان ، وواسطة طرف ، لا يجوز قطعه إجماعا ، وهو ما أنبته الله في
الحرم من غير تسبب الآدميين ، وطرف يجوز قطعه إجماعا ، وهو ما زرعه الآدميون من الزروع ، والبقول ، والرياحين ونحوها ، وطرف اختلف فيه ، وهو ما غرسه الآدميون من غير المأكول ، والمشموم ، كالأثل ، والعوسج ، فأكثر العلماء على جواز قطعه .
وقال قوم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالمنع ، وهو أحوط في الخروج من العهدة ، وقال بعض العلماء : إن نبت أولا في الحل ، ثم نزع فغرس في
الحرم جاز قطعه ، وإن نبت أولا في
الحرم ، فلا يجوز قطعه ، ويحرم
قطع الشوك والعوسج ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " ، وقال القاضي ،
وأبو الخطاب : لا يحرم ، وروي ذلك عن
عطاء ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ; لأنه يؤذي بطبعه ، فأشبه السباع من الحيوان .
قال مقيده - عفا الله عنه : قياس شوك
الحرم على سباع الحيوان مردود من وجهين :
الأول : أن السباع تتعرض لأذى الناس ، وتقصده ، بخلاف الشوك .
الثاني : أنه مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007506لا يعضد شوكه " ، والقياس المخالف للنص فاسد الاعتبار ، قال في " مراقي السعود " : [ الرجز ]
والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى
وفساد الاعتبار قادح مبطل للدليل ، كما تقرر في الأصول ، واختلف في
قطع اليابس من الشجر ، والحشيش ، فأجازه بعض العلماء ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ; لأنه كالصيد الميت ، لا شيء على من قده نصفين ، وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007507ولا يختلى خلاه " ; لأن الخلا هو الرطب من النبات ، فيفهم منه أنه لا بأس بقطع اليابس .
[ ص: 450 ] وقال بعض العلماء : لا يجوز قطع اليابس منه ، واستدلوا له بأن استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس ، وبأن في بعض طرق حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : "
ولا يحتش حشيشها " ، والحشيش في اللغة : اليابس من العشب ، ولا شك أن تركه أحوط .
واختلف أيضا في جواز
ترك البهائم ترعى فيه ، فمنعه
أبو حنيفة ، وروي نحوه عن
مالك ، وفيه عن
أحمد روايتان ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي جوازه ، واحتج من منعه بأن ما حرم إتلافه ، لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد ، واحتج من أجازه بأمرين :
الأول : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007508أقبلت راكبا على أتان ، فوجدت - النبي صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فدخلت في الصف ، وأرسلت الأتان ترتع " ، متفق عليه ،
ومنى من
الحرم .
الثاني : أن الهدي كان يدخل بكثرة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أصحابه ، ولم ينقل عن أحد الأمر بسد أفواه الهدي عن الأكل من نبات
الحرم ، وهذا القول أظهر ، والله تعالى أعلم .
وممن قال به
عطاء ، واختلف في
أخذ الورق ، والمساويك من شجر الحرم ، إذا كان أخذ الورق بغير ضرب يضر بالشجرة ، فمنعه بعض العلماء ; لعموم الأدلة ، وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه لا ضرر فيه على الشجرة ، وروي عن
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار : أنهما رخصا في ورق السنا للاستمشاء بدون نزع أصله ، والأحوط ترك ذلك كله ، والظاهر أن من أجازه استدل لذلك بقياسه على الإذخر بجامع الحاجة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : ولا بأس
بالانتفاع بما انكسر من الأغصان ، وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي ، ولا ما سقط من الورق ، نص عليه
أحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ; لأن الخبر إنما ورد في القطع ، وهذا لم يقطع ، فأما إن قطعه آدمي ، فقال
أحمد : لم أسمع إذا قطع أنه ينتفع به ، وقال في الدوحة تقطع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها ; وذلك لأنه ممنوع من إتلافه لحرمة
الحرم ، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به ، كالصيد يذبحه المحرم .
ويحتمل أن يباح لغير القاطع الانتفاع به ; لأنه انقطع بغير فعله ، فأبيح له الانتفاع به ، كما لو قطعه حيوان بهيمي ، ويفارق الصيد الذي ذبحه ; لأن الذكاة تعتبر لها الأهلية ، ولهذا لا تحصل بفعل بهيمة بخلاف هذا . اهـ .
[ ص: 451 ] وقال في المغني أيضا : ويباح
أخذ الكمأة من الحرم ، وكذلك الفقع ; لأنه لا أصل له ، فأشبه الثمرة ، وروى
حنبل قال : يؤكل من
شجر الحرم الضغابيس والعشرق ، وما سقط من الشجر ، وما أنبت الناس .
واختلف في
عشب الحرم المكي ، هل يجوز أخذه لعلف البهائم ؟ والأصح المنع لعموم الأدلة .
فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن الحلال إذا
قتل صيدا في الحرم المكي ، فجمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة ، وعامة فقهاء الأمصار على أن عليه الجزاء ، وهو كجزاء المحرم المتقدم ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة قال : ليس فيه الصوم ; لأنه إتلاف محض من غير محرم .
وخالف في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي الظاهري ، محتجا بأن الأصل براءة الذمة ، ولم يرد في جزاء صيد
الحرم نص ، فيبقى على الأصل الذي هو براءة الذمة ، وقوله هذا قوي جدا .
واحتج الجمهور : بأن الصحابة - رضي الله عنهم - قضوا في حمام
الحرم المكي بشاة شاة ، روي ذلك عن
عمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، ولم ينقل عن غيرهم خلافهم ; فيكون إجماعا سكوتيا ، واستدلوا أيضا بقياسه على صيد المحرم ، بجامع أن الكل صيد ممنوع لحق الله تعالى ، وهذا الذي ذكرنا عن جمهور العلماء من أن كل ما يضمنه المحرم يضمنه من في
الحرم يستثنى منه شيئان :
الأول : منهما
القمل ، فإنه مختلف في قتله في الإحرام ، وهو مباح في
الحرم بلا خلاف .
والثاني :
الصيد المائي مباح في الإحرام بلا خلاف ، واختلف في اصطياده من آبار
الحرم وعيونه ، وكرهه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، لعموم قوله - عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007509لا ينفر صيدها " ; فيثبت حرمة الصيد لحرمة المكان ، وظاهر النص شمول كل صيد ، ولأنه صيد غير مؤذ فأشبه الظباء ، وأجازه بعض العلماء ; محتجا بأن الإحرام لم يحرمه ، فكذلك
الحرم ، وعن الإمام
أحمد روايتان في ذلك بالمنع والجواز .
وكذلك اختلف العلماء أيضا في
شجر الحرم المكي وخلاه ، هل يجب على من قطعهما ضمان ؟ .
[ ص: 452 ] فقالت جماعة من أهل العلم ، منهم
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وداود : لا ضمان في شجره ونباته ، وقال
ابن المنذر : لا أجد دليلا أوجب به في شجر
الحرم فرضا من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وأقول كما قال
مالك : نستغفر الله تعالى .
والذين قالوا بضمانه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ،
وأبو حنيفة ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة قال : يضمن كله بالقيمة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد : يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والخلا بقيمته ، والغصن بما نقص ، فإن نبت ما قطع منه ، فقال بعضهم : يسقط الضمان ، وقال بعضهم بعدم سقوطه .
واستدل من قال : في الدوحة بقرة ، وفي الشجرة الجزلة شاة ، بآثار رويت في ذلك عن بعض الصحابة
كعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، والدوحة : هي الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الصغيرة .