وقوله تعالى : (
صراط الذين أنعمت عليهم )
لم يبين هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم . وبين ذلك في موضع آخر بقوله : (
فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .
تنبيهان
الأول : يؤخذ من هذه الآية الكريمة
صحة إمامة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه ; لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم - أعني الفاتحة - بأن نسأله أن يهدينا صراطهم . فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم .
وذلك في قوله : (
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وقد بين الذين أنعم عليهم ، فعد منهم الصديقين . وقد بين صلى الله عليه وسلم أن
أبا بكر - رضي الله عنه - من الصديقين ، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم ، الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم ، فلم يبق لبس في أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - على الصراط المستقيم ، وأن إمامته حق .
الثاني : قد علمت أن الصديقين من الذين أنعم الله عليهم ، وقد
صرح تعالى بأن مريم ابنة عمران صديقة في قوله : ( وأمه صديقة ) [ 5 \ 75 ] وإذن فهل تدخل
مريم في قوله تعالى : (
صراط الذين أنعمت عليهم ) أو لا ؟
الجواب : أن دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها معروفة ، وهي :
هل ما في القرآن العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل ؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك ، وعليه :
فمريم داخلة في الآية ، واحتج أهل هذا القول بأمرين : الأول : إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع .
والثاني : ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها ، كقوله تعالى في
مريم نفسها : (
وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) [ 66 \ 12 ] ، وقوله في
امرأة العزيز :
[ ص: 9 ] (
يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) [ 12 \ 29 ] ، وقوله في
بلقيس : (
وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ) [ 27 \ 43 ] ، وقوله فيما كالجمع المذكر السالم : (
قلنا اهبطوا منها جميعا ) الآية [ 2 \ 38 ] ; فإنه تدخل فيه
حواء إجماعا .
وذهب كثير إلى أنهن لا يدخلن في ذلك إلا بدليل منفصل . واستدلوا على ذلك بآيات كقوله : (
إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) إلى قوله : (
أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) [ 33 \ 35 ] ، وقوله تعالى : (
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ) [ 24 \ 31 ] ، ثم قال : (
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) الآية [ 24 \ 31 ] ، فعطفهن عليهم يدل على عدم دخولهن . وأجابوا عن حجة أهل القول الأول بأن تغليب الذكور على الإناث في الجمع ليس محل نزاع . وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق . وعن الآيات بأن دخول الإناث فيها إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه .
وعلى هذا القول :
فمريم غير داخلة في الآية وإلى هذا الخلاف أشار في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ] وما شمول من للأنثى جنف وفي شبيه المسلمين اختلفوا