مسائل لها تعلق بهذه الآية الكريمة .
قد علمت أن الحجر المذكور في هذه الآية في قوله :
ولقد كذب أصحاب الحجر الآية [ 15 \ 80 ] : هو ديار
ثمود ، وأنه ورد النهي عن
الصلاة في مواضع الخسف ; فبهذه المناسبة نذكر الأماكن التي نهي عن الصلاة فيها ونبين ما صح فيه النهي وما لم يصح .
والمواضع التي ورد النهي عن الصلاة فيها تسعة عشر موضعا ستأتي كلها .
عن
زيد بن جبيرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن حصين ، عن
نافع ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007803عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نهى أن يصلى في سبعة مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، وفي الحمام وفي أعطان الإبل ، وفوق ظهر بيت الله " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في مسنده ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وقال
الترمذي في إسناده : ليس بذاك . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد هذا الحديث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16452عبد الله بن عمر العمري ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . والحديث ضعيف لا تقوم به حجة ; لأن الإسناد الأول فيه
زيد بن جبيرة وهو متروك ، قال فيه
ابن حجر في
[ ص: 295 ] التقريب : متروك . وقال في تهذيب التهذيب : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : هو لا شيء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : منكر الحديث . وقال في موضع آخر : متروك الحديث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : ليس بثقة . وقال
أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ، متروك الحديث لا يكتب حديثه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد . قلت : وقال
الساجي : حدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين بحديث منكر جدا ، يعني حديث النهي عن الصلاة في سبع مواطن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14909الفسوي : ضعيف منكر الحديث . وقال
الأزدي : متروك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير ; فاستحق التنكب عن روايته . وقال
الحاكم : روى عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=15855وداود بن الحصين وغيرهما المناكير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : ضعيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أجمعوا على أنه ضعيف اهـ كلام
ابن حجر . وأحد إسنادي
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه فيه
أبو صالح كاتب
الليث ، وهو كثير الغلط ، وفيه
ابن عمر العمري ضعفه بعض أهل العلم وأخرج له
مسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم في العلل : هما جميعا - يعني الحديثين - واهيان . وصحح الحديث المذكور
nindex.php?page=showalam&ids=12757ابن السكن وإمام الحرمين .
اعلم أولا أن المواضع التي ورد النهي عن الصلاة فيها ، هي السبعة المذكورة ، والصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة ، والكنيسة والبيعة ، وإلى التماثيل ، وفي دار العذاب ، وفي المكان المغصوب ، والصلاة إلى النائم ، والمتحدث ، وفي بطن الوادي ، وفي مسجد الضرار ، والصلاة إلى التنور ، فالمجموع تسعة عشر موضعا . وسنبين أدلة النهي عنها مفصلة - إن شاء الله تعالى - أما في مواضع الخسف والعذاب فقد تقدم حكم ذلك قريبا .
وأما
الصلاة في المقبرة والصلاة إلى القبر : فكلاهما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عنه . أما الصلاة في المقابر : فقد وردت أحاديث صحيحة في النهي عنها ، منها ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن
عائشة - رضي الله عنها - : أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007804النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته : " لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، يحذر ما صنعوا ، ولولا ذلك أبرز قبره - صلى الله عليه وسلم - غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . وفي الصحيحين أيضا نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقد ثبت في الصحيح أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - وفي بعض الروايات المتفق عليها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007805لعن الله اليهود والنصارى " ، وفي بعض الروايات الصحيحة الاقتصار على
اليهود . والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن إلا على فعل حرام شديد الحرمة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=401جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي - رضي الله عنه - ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007806سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو [ ص: 296 ] يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ; فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا . ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . إلا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك " . أخرجه
مسلم في صحيحه بهذا اللفظ ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007807اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا " أخرجه الشيخان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد ، وأصحاب السنن ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : " ولا تتخذوها قبورا " دليل على أن القبور ليست محل صلاة ، وقال بعض العلماء : يحتمل أن يكون معنى الحديث : صلوا ولا تكونوا كالأموات في قبورهم ; فإنهم لا يصلون . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بسند جيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007808إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد " . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم أيضا .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة لا مطعن فيها ، وهي تدل دلالة واضحة على تحريم الصلاة في المقبرة ; لأن كل موضع صلي فيه يطلق عليه اسم المسجد ; لأن المسجد في اللغة مكان السجود ، ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007809وجعلت لي الأرض مسجدا " . الحديث . أي : كل مكان منها تجوز الصلاة فيه . وظاهر النصوص المذكورة العموم ، سواء نبشت المقبرة واختلط ترابها بصديد الأموات أو لم تنبش ; لأن علة النهي ليست بنجاسة المقابر كما يقوله الشافعية ; بدليل اللعن الوارد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على من اتخذ قبور الأنبياء مساجد . ومعلوم أن قبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ليست نجسة ، فالعلة للنهي سد الذريعة ; لأنهم إذا عبدوا الله عند القبور آل بهم الأمر إلى عبادة القبور .
فالظاهر من النصوص المذكورة : منع الصلاة عند المقابر مطلقا ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وفي صحتها عنده روايتان وإن تحققت طهارتها . وذهب
مالك : إلى أن الصلاة فيها مكروهة . وذهب الشافعية : إلى أنها إذا كانت نجسة لاختلاط أرضها بصديد الأموات لأجل النبش ; فالصلاة فيها باطلة ، وإن كانت لم تنبش ; فالصلاة فيها مكروهة عندهم . وذكر
النووي عن
ابن المنذر : أنه قال : روينا عن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
وعطاء ،
والنخعي ، أنهم كرهوا الصلاة في المقبرة . قال : ولم يكرهها
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12190وواثلة بن الأسقع ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ، ونقل صاحب الحاوي عن
داود : أنه قال : تصح الصلاة وإن تحقق نبشها . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم النهي عن الصلاة في المقبرة عن خمسة من الصحابة وهم :
عمر ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
وأنس [ ص: 297 ] nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . وقال : ما نعلم لهم مخالفا ، وحكاه عن جماعة من التابعين :
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17193ونافع بن جبير بن مطعم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ،
وخيثمة ، وغيرهم . وقد حكى
الخطابي " في معالم السنن " عن
عبد الله بن عمر : أنه رخص في الصلاة في المقبرة . وحكي أيضا عن
الحسن : أنه صلى في المقبرة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قلت
لنافع :
أكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يكره أن يصلى وسط القبور ؟ قال : لقد صلينا على
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة - رضي الله عنهما - وسط
البقيع والإمام يوم صلينا على
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - ، وحضر ذلك
عبد الله بن عمر . رواه
البيهقي وغيره . وممن كره الصلاة في المقبرة :
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي . واحتج من قال بجواز الصلاة في المقبرة : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على المسكينة السوداء بالمقبرة . وسيأتي قريبا - إن شاء الله - حكم الصلاة إلى جهة القبر .
قال مقيده - عفا الله عنه - : أظهر الأقوال دليلا في هذه المسألة عندي قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - ; لأن النصوص صريحة في النهي عن الصلاة في المقابر ، ولعن من اتخذ المساجد عليها ، وهي ظاهرة جدا في التحريم . أما البطلان فمحتمل ; لأن النهي يقتضي الفساد لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007134من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . والصلاة في المقابر منهي عنها ، فليست من أمرنا فهي رد . ويحتمل أن يقال : الصلاة من أمرنا فليست ردا ، وكونها في المكان المنهي عنه هو الذي ليس من أمرنا .
كما علم الخلاف بين العلماء في كل منهي عنه له جهتان : إحداهما مأمور به منها : ككونه صلاة ، والأخرى منهي عنه منها : ككونه في موضع نهي ، أو وقت نهي ، أو أرض مغصوبة ، أو بحرير ، أو ذهب ، ونحو ذلك ; فإنهم يقولون : إن انفكت جهة الأمر عن جهة النهي لم يقتض النهي الفساد ، وإن لم تنفك عنها اقتضاه . ولكنهم عند التطبيق يختلفون ، فيقول أحدهم : الجهة هنا منفكة . ويقول الآخر : ليست منفكة كالعكس ، فيقول الحنبلي مثلا : الصلاة في الأرض المغصوبة لا يمكن أن تنفك فيها جهة الأمر عن جهة النهي ; لكون حركة أركان الصلاة كالركوع والسجود والقيام كلها يشغل المصلي به حيزا من الفراغ ليس مملوكا له ، فنفس شغله له ببدنه أثناء الصلاة حرام ، فلا يمكن أن يكون قربة بحال . فيقول المعترض كالمالكي والشافعي : الجهة منفكة هنا ; لأن هذا الفعل من حيث كونه صلاة قربة ، ومن حيث كونه غصبا حرام ، فله صلاته وعليه غصبه كالصلاة بالحرير . وإلى هذا المسألة وأقوال العلماء فيها أشار في مراقي السعود بقوله :
دخول ذي كراهة فيما أمر به بلا قيد وفصل قد حظر [ ص: 298 ] فنفي صحة ونفي الأجر
في وقت كره للصلاة يجري وإن يك النهي عن الأمر انفصل
فالفعل بالصحة لا الأجر اتصل وذا إلى الجمهور ذو انتساب
وقيل بالأجر مع العقاب وقد روي البطلان والقضاء
وقيل ذا فقط له انتفاء مثل الصلاة بالحرير والذهب
أو في مكان الغصب والوضو انقلب ومعطن ومنهج ومقبره
كنيسة وذي حميم مجزره
وأما
الصلاة إلى القبور فإنها لا تجوز أيضا ، بدليل ما أخرجه
مسلم في صحيحه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، عن
أبي مرثد الغنوي - رضي الله عنه - ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007810قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " . هذا لفظ
مسلم . وفي لفظ له أيضا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007811لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " . والقاعدة المقررة في الأصول : أن
النهي يقتضي التحريم . فأظهر الأقوال دليلا منع الصلاة في المقبرة وإلى القبر ; لأن صيغة النهي المتجردة من القرائن تقتضي التحريم . أما
اقتضاء النهي الفساد إذا كان للفعل جهة أمر وجهة نهي ، ففيه الخلاف الذي قدمناه آنفا ، وإن كانت جهته واحدة اقتضى الفساد . وقال صاحب المراقي في اقتضاء النهي الفساد :
وجاء في الصحيح للفساد إن لم يجي الدليل للسداد
وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح عن الصلاة إلى القبور ، وقد قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007812وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ، وقال تعالى :
وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وقد قدمنا أن لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ القبور مساجد يدل دلالة واضحة على التحريم . واحتج من قال بصحة الصلاة في المقابر وإلى القبور بأدلة منها : عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007809وجعلت لي الأرض مسجدا " الحديث . قالوا : عمومه يشمل المقابر ، ويجاب عن هذا الاستدلال من وجهين :
أحدهما : أن أحاديث النهي منه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في المقبرة وإلى القبر خاصة ، وحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007813جعلت لي الأرض مسجدا " عام ، والخاص يقضى به على العام كما تقرر في الأصول عند الجمهور .
والثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى من عموم كون الأرض مسجدا المقبرة والحمام ، فقد أخرج
أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
والحاكم ، وصححاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007814الأرض كلها مسجد [ ص: 299 ] إلا المقبرة والحمام " ، قال
ابن حجر في " فتح الباري " في الكلام على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري باب " كراهية الصلاة في المقابر " في حديث
أبي سعيد هذا : رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، ورجاله ثقات ، لكن اختلف في وصله وإرساله ، وحكم مع ذلك بصحته
الحاكم وابن حبان . وقال
الشوكاني - رحمه الله - في " نيل الأوطار " : صححه
الحاكم في المستدرك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم الظاهري ، وأشار
ابن دقيق العيد إلى صحته .
قال مقيده - عفا الله عنه - : التحقيق أن الحديث إذا اختلف في وصله وإرساله ، وثبت موصولا من طريق صحيحة حكم بوصله ، ولا يكون الإرسال في الرواية الأخرى علة فيه ; لأن الوصل زيادة وزيادات العدل مقبولة . وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " :
والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ
من أدلة من قال : تصح الصلاة في القبور - ما رواه الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007815أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ، فقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها أو عنه ، فقالوا : مات قال : " أفلا آذنتموني " ، قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره . فقال : " دلوني على قبره " فدلوه فصلى عليها . ثم قال : " هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " . وليس
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة " إلى آخر الخبر ، قالوا : فهذا الحديث يدل على مشروعية الصلاة إلى القبر .
ومن أدلتهم أيضا ما رواه الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007816انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قبر رطب ، فصلى عليه ، وصفوا خلفه ، وكبر أربعا .
ومن أدلتهم أيضا ما ثبت في صحيح
مسلم من حديث
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007817أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر .
ومن أدلتهم ما قدمنا من الصلاة على
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة - رضي الله عنهما - وسط
البقيع ، وهذه الأدلة يستدل بها على جواز الصلاة إلى القبور وصحتها ; لا مطلق صحتها دون الجواز .
ومن أدلتهم ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلفظ : " ورأى
عمر nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه - يصلي عند قبر . فقال : القبر ، القبر ، ولم يأمره بالإعادة " اهـ . وقال
ابن حجر في الفتح : أورد أثر
عمر الدال على أن النهي في ذلك لا يقتضي فساد الصلاة . والأثر المذكور عن
عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة
لأبي [ ص: 300 ] نعيم شيخ البخاري . ولفظه : " بينما
أنس يصلي إلى قبر ناداه
عمر : القبر ، القبر ; فظن أنه يعني القمر . فلما رأى أنه يعني القبر ، جاوز القبر وصلى " وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليق . منها : من طريق
حميد عن
أنس نحوه ، زاد فيه : فقال بعض من يليني : إنما يعني القبر فتنحيت عنه . وقوله : القبر القبر ، بالنصب فيهما على التحذير . وقوله : ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي
أنس على الصلاة . ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف . اهـ منه بلفظه .
قال مقيده - عفا الله عنه - : هذه الأدلة يظهر للناظر أنها متعارضة ، ومعلوم أن
الجمع واجب إذا أمكن ، وإن لم يمكن وجب الترجيح ، وفي هذه المسألة يجب الجمع والترجيح معا . أما وجه الجمع : فإن جميع الأدلة المذكورة في الصلاة إلى القبور كلها في الصلاة على الميت ، وليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنما هي دعاء للميت : فهي من جنس الدعاء للأموات عند المرور بالقبور .
ولا يفيد شيء من تلك الأدلة جواز صلاة الفريضة أو النافلة التي هي صلاة ذات ركوع وسجود . ويؤيده تحذير
عمر nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس من الصلاة عند القبر . نعم تتعارض تلك الأدلة مع ظاهر عموم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007811لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها " ; فإنه يعم كل ما يصدق عليه اسم الصلاة ، فيشمل الصلاة على الميت ، فيتحصل أن الصلاة ذات الركوع والسجود لم يرد شيء يدل على جوازها إلى القبر أو عنده ، بل العكس . أما الصلاة على الميت : فهي التي تعارضت فيها الأدلة . والمقرر في الأصول : أن الدليل الدال على النهي مقدم على الدليل على الجواز ، وللمخالف أن يقول : لا يتعارض عام وخاص . فحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007818لا تصلوا إلى القبور " عام في ذات الركوع والسجود والصلاة على الميت . والأحاديث الثابتة في الصلاة على قبر الميت خاصة ، والخاص يقضى به على العام .
فأظهر الأقوال بحسب الصناعة الأصولية : منع الصلاة ذات الركوع والسجود عند القبر وإليه مطلقا ; للعنه - صلى الله عليه وسلم - لمتخذي القبور مساجد ، وغير ذلك من الأدلة ، وأن الصلاة على قبر الميت - التي هي للدعاء له الخالية من الركوع والسجود - تصح ; لفعله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيح ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وأنس ، ويومئ لهذا الجمع حديث لعن متخذي القبور مساجد ; لأنها أماكن السجود . وصلاة الجنازة لا سجود فيها ; فموضعها ليس بمسجد لغة ; لأنه ليس موضع سجود .