(
وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) هذه
ثلاثة أنواع أخرى من أحكامهم المخترعة المبنية على غواية شركهم . ( فالأول ) أنهم كانوا يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويمنعونه التصرف فيها إلا فيما يخصونها له تعبدا ويقولون : ( هي حجر ) وهو بالكسر بمعنى المحجور الممنوع أن يتصرف فيه ، كالذبح بمعنى المذبوح والطحن بمعنى المطحون ، ويجري وصفا للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع ; لأن حكمه - حكم الأسماء - غير الصفات ، وأصله ما أحيط بالحجارة ومنه حجر
الكعبة وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه مما يضر ويقبح من الأعمال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
والضحاك ،
والسدي : الحجر الحرام مما حرموا من الوصيلة وتحريم ما حرموا انتهى أي وما حرموا من غيرها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : حجر أي احتجروها لآلهتهم . وقال
قتادة : حجر عليهم في أموالهم من الشياطين وتغليظ وتشديد ولم يكن من الله . أي ولهذا قال بزعمهم . قالوا : وكانوا يحتجرونها عن النساء ويجعلونها للرجال ، وقالوا : إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبا وإن شئنا لم نجعل . وهذا أمر افتروه على الله ( والثاني ) أنعام حرمت ظهورها : أي أن تركب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هي البحيرة والسائبة والحامي . وقد تقدم ذكرها في سورة المائدة (
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) ( 5 : 103 ) . ( والثالث )
أنعام لا يذكرون اسم الله عليها في الذبح ، بل يهلون بها لآلهتهم وحدها . وعن
أبي وائل : كانوا لا يحجون عليها فلا يلبون على ظهورها ، وقال
مجاهد : كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها ، لا إن ركبوا ولا إن حلبوا ولا إن حملوا ولا إن سحبوا ولا إن عملوا شيئا اهـ .
وجملة القول أنهم قسموا أنعامهم هذا التقسيم الذي جعلوه من أحكام الدين فنسبوه إلى الله تعالى حكما وديانة (
افتراء عليه ) أي قالوه أو فعلوه مفترين إياه أو افتروه افتراء
[ ص: 112 ] واختلقوه اختلاقا والله بريء منه لم يشرعه لهم ، وما كان لغير الله أن يحلل أو يحرم على العباد ما لم يأذن به كما قال في آية أخرى : (
قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) ( 10 : 59 ) أي بل أنتم تفترون عليه . ولا يزال بعض الناس يحلون ويحرمون على أنفسهم وعلى الناس بأهوائهم أو تقليد بعض المصنفين من أوليائهم والمنتحلين لمذاهبهم ، إما موقتا بيمين أو نذر أو تنسك تصوف ، وإما تحريما مطلقا دائما ، وهم يجهلون على ادعائهم للعلم والدين ، أنهم يتبعون بذلك المشركين الذين بينت هذه الآيات سوء حالهم ، وذيلت هذه الآية ببيان سوء مآلهم . وهو قوله تعالى : (
سيجزيهم بما كانوا يفترون ) أي سيجزون الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح .