يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) أي يوم يأتي بعض آيات ربك الموجبة للإيمان الاضطراري لا ينفع نفسا لم تكن آمنت من قبل إتيانها إيمانها بعده في ذلك اليوم ، ولا نفسا لم تكن كسبت في إيمانها خيرا وعملا صالحا ما عساها تكسب من خير فيه لبطلان التكليف الذي يترتب عليه ثواب الإيمان والعمل الصالح ، فإنه - أي التكليف - مبني على ما وهب الله المكلف من الإرادة
[ ص: 185 ] والاختيار ، بالتمكن من الإيمان والكفر وعمل الخير والشر ، وإنما الثواب والعقاب مبني على هذا التكليف . والبعض من هذه الآيات قد يطلع عليه الأفراد عند الغرغرة قبيل خروج الروح وهي القيامة الصغرى ، ولا تراها الأمم كلها إلا قبيل قيام القيامة الكبرى ، فإن لها آيات كآيات الموت بعضها ظني وبعضها قطعي ، يترتب عليه حصول الإيمان القهري وفي الآية من الإيجاز البليغ ما ترى ، فإن الفصل بين كلمة ( نفسا ) الدالة على الشمول لكونها نكرة في سياق النفي ، وبين صفتها هي جملة (
لم تكن آمنت ) إلخ بالفاعل وهو ( إيمانها ) وعطف جملة (
أو كسبت في إيمانها خيرا ) عليها قد أغنى عن التصريح بما بسطنا به المعنى آنفا .
وقد روي في أحاديث منها الصحيح السند والضعيف الذي لا يحتج به وحده ، بأن هذه الآية التي أبهمت وأضيفت إلى الرب تعالى لتعظيم شأنها وتهويله ، هي
طلوع الشمس من مغربها قبيل تلك القارعة الصاخة التي ترج الأرض رجا ، وتبس الجبال بسا . فتكون هباء منبثا ، وإذا الشمس كورت ، وإذا الكواكب انتثرت ، وبطل هذا النظام الشمسي وقد كان طلوع الشمس من مغربها بعيدا عن المألوف المعقول ، ولا سيما معقول من كانوا يقولون بما تقول فلاسفة اليونان في الأفلاك والعقول ، وأما علماء الهيئة الفلكية في هذا العصر فلا يتعذر على عقولهم أن تتصور حادثا تتحول فيه حركة الأرض اليومية فيكون الشرق غربا والغرب شرقا ، ولا ندري أيستلزم ذلك تغييرا آخر في النظام الشمسي أم لا ؟ وقد ورد في المأثور ما يؤيد هذا التوجيه ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تاريخه ،
وأبو الشيخ في العظمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن
كعب قال : إذا أراد الله أن تطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب ( أي المحور ) فجعل مشرقها مغربها ومغربها مشرقها . اهـ . وهذا من أحسن العلم المعقول الذي روي عن
كعب والله على كل شيء قدير .
وأقوى الأحاديث الواردة في طلوع الشمس من مغربها ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الرقاق " عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919830لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) اهـ . ومثله في التفسير وغيره من صحيحه وأورده في كتاب الفتن مطولا فيه ذكر آيات أخرى لقيام الساعة . وأخرجه أيضا
أحمد ،
ومسلم ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهم . وأخرج
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا رفعه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919831ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل . طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض " وهو مشكل مخالف للأحاديث الأخرى الواردة في نزول المسيح
الدجال وإيمان الناس به ، والمشكلات في الأحاديث الواردة في أشراط الساعة كثيرة ، أهم أسبابها فيما صحت أسانيده واضطربت المتون وتعارضت أو
[ ص: 186 ] أشكلت من وجوه أخرى ، أن هذه الأحاديث رويت بالمعنى ولم يكن كل الرواة يفهم المراد منها لأنها في أمور غيبية ، فاختلف التعبير باختلاف الأفهام ، على أنهم اختلفوا في ترتيب هذه الآيات . ومما استشكلوه أن علة عدم قبول الإيمان بعد طلوع الشمس من مغربها لا تنطبق إلا على من رآها أو رويت له بالتواتر ، وقد روي أن الشمس والقمر يكسيان النور بعد كسوف وظلمة ويعودان إلى الطلوع من المشرق . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا وموقوفا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919832يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة " ولكن رفعه لا يصح ويعارضه من حديثه ما رواه مرفوعا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919833الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضا " قاله الحافظ
ابن حجر وهو المعتمد . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والحاكم عن
عبد الله بن عمر حديثا ذكر فيه طلوع الشمس من مغربها وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919834فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل هذه الآية " .
هذا وإن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة رضي الله عنه لم يصرح في هذه الأحاديث بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم فيخشى أن يكون قد روى بعضها عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار وأمثاله فتكون مرسلة . ولكن مجموع الروايات عنه وعن غيره تثبت هذه الآية بالجملة فننظمها في سلك المتشابهات ، ويحمل التعارض بين الروايات وما في بعضها من مخالفة الأدلة القطعية على ما أشرنا إليه من الأسباب ، كالرواية عن مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار من رواة الإسرائيليات والله أعلم .
[ ص: 187 ] وللأشعرية والمعتزلة وأمثالهما من أهل الكلام جدال في هذه الآية ، يستدل
المعتزلة بها على أن الإيمان لا ينفع بدون عمل الخير ، ويمنع ذلك الآخرون ، ولا مجال في الآية للجدل عند مستقلي الفكر الذين يجعلون القرآن فوق المذاهب ، فإن معناها لا يعدو ما تقدم بيانه ، وهو أن مشاهدة بعض آيات الرب قبل قيام الساعة هي بالنسبة إلى جميع البشر كمشاهدة الآخرة قبيل خروج الروح بالنسبة إلى الأفراد منهم : لا ينفع الكافر حينئذ الرجوع عن الكفر إلى الإيمان ، ولا ينفع العاصي التوبة من المعصية والرجوع إلى الطاعة . والتحقيق في مسألة
اشتراط العمل بالشرع في صحة الإيمان ، أن الإيمان الصحيح بما جاء به الرسول - وهو إيمان الإذعان والقبول - يستلزم العمل بما جاء به في الجملة دون التفصيل الشمولي ، فيجوز عقلا أن يترك المؤمن بعض الواجبات أو يرتكب بعض المحرمات لأسباب تعرض له ولكنه يؤاخذ نفسه على ذلك ويتوب كما قال تعالى : (
ثم يتوبون من قريب ) ( 4 : 17 ) وكما قال : (
ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ( 3 : 135 ) وقد يؤمن ويموت قبل أن يتمكن من العمل ، وما أظن أنه يوجد عاقل يختلف في نجاة مثل هذا بمجرد الإيمان ، ولكن لا يجوز عقلا ولا شرعا ألا يبالي المؤمن من الذعن بالأمر والنهي ، بحيث يترك الفرائض ويرتكب الكبائر بغير جهالة عارضة ، بلا خوف ولا حياء من الله ولا اهتمام بالثواب والعقاب ، ويصر على ذلك وهو يعلم حكم الله فيه . وليس لاستحلال ما ذكر معنى غير هذا ، والمستحل لمثل هذا كافر عند أهل السنة
كالمعتزلة .
قال تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام : (
قل انتظروا إنا منتظرون ) أي انتظروا أيها الكفار المعاندون ما تتوقعون إتيانه ووقوعه بنا واكتفاء أمر الإسلام به ، إنا منتظرون وعد ربنا لنا ووعيده لكم ، كقوله تعالى : (
فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) ( 10 : 102 ) أو انتظروا ما ليس أمامكم سواء في الواقع ونفس الأمر ، وإن كنتم تجهلونه ولا تفكرون فيه وهو هذه الأمور الثلاثة إنا منتظروها على علم وإيمان - وهي مجيء الملائكة لقبض أرواح الأفراد ، أو إتيان الرب تعالى - أي أمره - بما وعدنا من النصر ، وأوعدكم من الخزي والخسر ، أو إتيانه تعالى لحساب الخلق ، أو إتيان بعض آياته الدالة على تصديق رسوله قبيل قيام الساعة . . . وهذا الأمر يتضمن التهديد كقوله تعالى : (
وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ) ( 11 : 121 ، 122 )
[ ص: 188 ] والآية المفسرة بمعنى قوله تعالى : (
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) ( 32 : 29 ، 30 ) .