الإصلاح والدعوة إلى الوحدة :
ولكن الله تعالى لم يحرم الأمة من نذير يجدد هداية الرسل ، فقد بعث على رأس هذا القرن الهجري حكيما من سلالة العترة النبوية يجدد لها أمر دينها بالدعوة إلى الوحدة والرجوع عما ابتليت به من التفرقة . وشد أزره في ذلك مريد له تخرج به فكان أفصح لسانا وأوضح بيانا . وقد استفادت الأمة من إصلاح هذين الحكيمين ومن جرى على أثرهما ما بعث فيها الاستعداد للوحدة والدعاية لجمع الكلمة ، ولكن الأمم لا تتربى بالإرشاد إلا إذا أعدت الأنفس له الشدائد والمصائب . ولا سيما أنفس أهل الجهل المركب المغرورين بما بقي لهم من حثالة الملك وبقايا مظاهر العظمة الباطلة ، ومن الغريب أن أكثر الشعوب الإسلامية كانت مغرورة بالدولة العثمانية متكلة عليها لأنها أقوى دولهم ، وهم غافلون كشعبها عما عراها من الضعف والوهن حتى إن كانوا ليعادون من يقول : إنا نحتاج إلى إصلاح ، وكان
السيد الأفغاني - وهو الموقظ الأول - يقول : إن انكسار الدولة العثمانية في الحروب الروسية الأخيرة في عهده هو الذي أعد المسلمين لإدراك الخطر الذي يحيق بهم والحاجة إلى الإصلاح . وقال بعض أذكياء رجالها : إن انتصار
السلطان عبد الحميد على الدولة أخر ما نرجو من الإصلاح سنين كثيرة . ونقول : إن السواد الأعظم منهم من التابعين لها ومن غيرهم قد ظلوا سادرين في غرورهم جامحين في غيهم . إلى أن انكسرت هذا الانكسار الفظيع في هذا العصر . واحتل الأجانب المنتصرون عليها عاصمتها التي كانت أعظم مظاهر غرورها ( حتى كنا نعتقد أنها أكبر عقبات الحياة في سبيلها واقترحنا عليها منذ عشرين سنة استبدال عاصمة آسيوية بها ) وصرحوا بأنهم قضوا عليها القضاء الأخير المبرم الذي لا مرد له . ولا سيما وقد أمضى من أنابت عنها في مؤتمر الصلح تلك المعاهدات الناطقة بانتزاع جميع البلاد العربية وبعض البلاد التي سموها
أرمنية ويونانية من سلطنتها ، وجعل بقية بلادها وهي الولايات التركية مع العاصمة تحت سيطرة الدول القاهرة في ماليتها وإدارتها .