[ ص: 307 ] (
ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون )
هذه الآيات تتمة السياق الوارد في النشأة الأولى للبشر وشياطين الجن ، أنزلت تمهيدا لهداية الناس بما يتلوها من الآيات في وعظ بني
آدم وإرشادهم إلى ما تكمل به فطرتهم كما بيناه في بحث التناسب بين الآيات السابقة .
(
ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) أي وقلنا يا
آدم اسكن أنت وزوجك الجنة - كما هو نص التعبير في سورة البقرة - فهو معطوف على قوله تعالى في أول السياق : (
ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) وهذا أظهر من جعله معطوفا على قوله تعالى في الآية السابقة لهذه : (
قال اخرج منها مذءوما مدحورا ) فإن إخراجه من الجنة - على قول الجمهور -
[ ص: 308 ] كان بعد الوسوسة
لآدم كما هو مبين في هذه الآيات . والنداء يفيد الاهتمام بالأمر بعده ، والأمر بالسكنى قيل : للإباحة ، وقيل : للوجوب ، بناء على أنه أمر تكليف ، يقابله جعله أمرا تكوينيا قسريا كما تقدم مثله في أمر إبليس ، واللام في الجنة للعهد الخارجي وهي الجنة التي خلق فيها أو لديها
آدم ، ومثله قوله تعالى في سورة ( ن ) : (
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) ( 68 : 17 ) ؛ لأن
آدم خلق من الأرض في الأرض ، ولم يرد في شيء من آيات قصته المكررة في عدة سور أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء على الأعمال ، وتقدم بيان الخلاف في هذه الجنة في تفسير القصة في سورة البقرة ، والجمهور على أنها جنة الآخرة .
والآية تدل على أن
آدم كان له زوج ؛ أي امرأة . وليس في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالىألقى على
آدم سباتا انتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه فخلق له منه
حواء امرأته ، وأنها سميت امرأة " لأنها من امرئ أخذت " وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الإسرائيليات ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الصحيحين "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918619فإن المرأة خلقت من ضلع " على حد (
خلق الإنسان من عجل ) ( 21 : 37 ) بدليل قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919892فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء " أي لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة ، ووثنيوا
الهند يزعمون أن
لآدم أما ولها في مدينتهم المقدسة (
بنارس ) قبر عليه قبة بجانب قبة قبره ، وقيل : إن المراد بأمه عندهم الرمز إلى الطبيعة . والآية ترشد إلى أن المرأة تابعة للرجل في السكنى والمعيشة باقتضاء الفطرة ، وهو الحق الواقع الذي يعد ما خالفه شذوذا .
(
فكلا من حيث شئتما ) أي فكلا من ثمارها حيث شئتما - وفي سورة البقرة : (
وكلا منها رغدا حيث شئتما ) ( 2 : 35 ) - ومن سنة القرآن أن يتضمن التكرار للقصص فوائد في كل منها لا توجد في الأخرى من غير تعارض في المجموع .
(
ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) النهي عن قرب الشيء أبلغ من النهي عنه كما بيناه في تفسير : (
تلك حدود الله فلا تقربوها ) ( 2 : 187 ) فهو يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغري به وتفضي إليه ورعا واحتياطا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003333 " ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه " كما ورد في الحديث ، وتعريف الشجرة كتعريف الجنة ، وهي مشار إليها في الآية بما يعين شخصها ، ولم يبين في القرآن نوعها ولا وصفها ، إلا ما في الآية التالية عن إبليس ، ومثله في سورة طه . وفي الفصل الثاني من سفر التكوين أول أسفار التوراة ما نصه " 8 وغرس الرب الإله جنة من عدن شرقا ووضع هناك
آدم الذي جبله 9 وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر " ثم قال " 15 وأخذ الرب الإله
[ ص: 309 ] آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها 16 وأوصى الرب الإله
آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا 17 وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت " اهـ . وقد أكل
آدم من الشجرة ولم يمت يوم أكلها والقرآن قد علل النهي بأنه يترتب على مخالفته أن يكونا من الظالمين لأنفسهما ، أي بفعلهما ما يعاقبان عليه ولو بالحرمان من ذلك الرغد من العيش وما يعقبه من تعب في المعيشة .