الإشكالات في القصة :
قد أكثر المفسرون المتكلمون في هذه القصة من استخراج الإشكالات ، والجواب عنها بأنواع من التمحلات ، وهي مبنية على ما جروا عليه من أن
آدم كان نبيا ورسولا ، وأن الرسل معصومون من معاصي الله تعالى ، فكيف وسوس له الشيطان فأغواه ؟ وكيف أقسم له فصدقه فيما يخالف خبر الله ؟ وكيف أطمعه في أن يكون ملكا أو خالدا فطمع وهو يستلزم إنكار البعث ؟ وإذا كان لم يصدقه فكيف أطاعه ؟ وهل الأمر له بالأكل من الجنة أمر وجوب أم إباحة ؟ وهل النهي عن الشجرة للتحريم أو الكراهة - إلخ . ما هنالك حتى زعم بعضهم أن معصيته كانت صورية . وزعم بعض الصوفية أن حقيقة هذه المسألة لا تعرف إلا بالكشف أو إلا في الآخرة . ولا يرد على ما أوردناه شيء من ذلك - فأما على جعل التأويل من باب التمثيل ، وجعل الأمر والنهي للتكوين لا للتكليف ، فالأمر ظاهر . وأما على الوجه الأول فما جليناه فيه يقربه من الوجه الآخر .
وآدم لم يكن نبيا رسولا عند بدء خلقه اتفاقا ، ولا موضع للرسالة في ذلك الطور ، والظاهر من الآيات الواردة في الرسل ومن بعض الأحاديث الصحيحة أنه لم يكن رسولا مطلقا ، وأن أول الرسل
نوح عليه وعليهم السلام
وعصمة [ ص: 316 ] الأنبياء من كل معصية قبل النبوة لم ينقل إلا عن بعض
الروافض . ولا يظهر دليل العصمة ولا حكمتها فيه ؛ إذ لم يكن هنالك أحد يخاف من سوء الأسوة عليه .
هذا ما ألهمه تعالى من بيان معاني هذه الآيات بما يدل عليه الأسلوب العربي مع مراعاة سنن الله تعالى في الخليقة ، وما ترشد إليه الآيات الأخرى في القصة وما يناسبها . ولم ندخل فيه شيئا من تلك الروايات المأثورة ، والآراء المشهورة ، التي لا دليل عليها من قول الله ولا قول رسوله ، ولا من سننه تعالى في خلقه ؛ إذ كل ما ورد في ذلك أو جله من الإسرائيليات التي لا يوثق بها ، وقد فتن كثير من المفسرين بنقلها ، كقصة الحية ودخول إبليس فيها وما جرى بينها وبين
حواء من الحوار .