فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون إلخ ؛ أي : وإذ كان الأمر كذلك فسأكتب رحمتي كتبة خاصة ، وأثبتها بمشيئتي إثباتا لا يحول دونه شيء للذين يتقون الكفر والمعاصي والتمرد على رسولهم ، ويؤتون الصدقة المفروضة التي تتزكى بها أنفسهم ، وغيرها من أركان الدين ، وخص الزكاة بالذكر دون الصلاة ، وما دونها من الطاعات ؛ لأن
فتنة حب المال تقتضي بنظر العقل والاختبار بالفعل أن يكون المانعون للزكاة أكثر من التاركين لغيرها من الفرائض ، وفيه إشارة إلى شدة حب
اليهود للدنيا وافتتانهم بجمع المال ومنع بذله في سبيل الله . وقوله - تعالى - :
والذين هم بآياتنا يؤمنون معناه : وسأكتبها كتبة خاصة للذين يصدقون بجميع آياتنا التي تدل على توحيدنا وصدق رسلنا تصديق إذعان ، مبني على العلم والإيقان دون التقليد للآباء وعصبيات الأقوام .
ونكتة إعادة الموصول ( الذين ) مع الضمير ( هم ) إما جعل الموصول الأول عاما لقومه الذين دعا لهم - من استمروا على التزام التقوى ، وأداء الزكاة منهم - وجعل الثاني خاصا بمن يدركون بعثة خاتم الرسل - عليه السلام - ويتبعونه كما يعلم مما بعده - وإما لبيان الفصل بين مفهوم الإسلام ومفهوم الإيمان والتعريض بأن الذين طلبوا من
موسى أن يجعل لهم آلهة والذين عبدوا العجل والذين قالوا :
لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ( 2 : 55 ) لم يكونوا مؤمنين بآيات الله العامة ولا الخاصة التي جاء بها نبيهم إذ لم يكونوا يعقلونها ، بل كانوا متبعين له لإنقاذهم من ظلم المصريين - وبيان أن كتابة الرحمة الخاصة إنما تكون لمن جمعوا بين الإسلام ؛ وهو إتباع الرسل بالفعل - والإيمان الصحيح بالآيات الإلهية المفيدة لليقين المانع من العودة إلى الشرك بمثل عبادة العجل والمقتضى لاتباع من يأتي من الرسل بمثل هذه الآيات ، وفي هذا توطئة لما بعده ، فهو بيان لصفة من يكتب تعالى لهم الرحمة على الإطلاق ، ويدخل فيهم
موسى - عليه السلام - ، ومن يصدق عليهم ما ذكر من قومه ، وذلك يفيد استجابة دعائه بشرطه ، ويليه بيان أحق الأمم بهذه الرحمة ؛ ذكر على سبيل الاستطراد المقصود بالذات على سنة القرآن في الانتقال من قصص الرسل إلى أمة خاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وهو قوله - عز وجل - :