قال النافون : إن الحديث يدل على أن
البسملة ليست من الفاتحة ؛ لأنها لو كانت منها لذكرت في الحديث ، وهو استدلال سلبي لا يعارض القطعي المتواتر وهو إثباتها في المصحف وإجماع القراء على قراءتها عند البدء بالختمات ، وثبوت التواتر بذلك ، على أن عدم ذكرها في الحديث قد يكون لسبب اقتضى ذلك . ومما يخطر على البال بداهة : أنه كما اكتفى من قسمة الصلاة بالفاتحة دون سائر التلاوة والأذكار والأفعال اكتفى من الفاتحة بما لا يشاركها فيه غيرها من السور ، إذ البسملة آية من كل سورة غير ( براءة ) على التحقيق الذي يدل عليه خط المصحف ، وثم سبب آخر لعدم ذكر البسملة في القسمة ، وهو أنه ليس فيها إلا الثناء على الله تعالى بوصفه بالرحمة ، وهو معنى مكرر في الفاتحة وذكر في القسمة .
والعمدة في عدم المعارضة أن دلالة الحديث ظنية سلبية ، وإثبات البسملة إيجابي وقطعي كما تقدم ، وإذا كان من علل الحديث المانعة من وصفه بالصحة : مخالفة راويه لغيره من الثقات فمخالفة القطعي من القرآن المتواتر أولى بسلب وصف الصحة عنه . على أن هذا الحديث هو المعارض بالأحاديث المثبتة لكون البسملة من الفاتحة .
واستدلوا أيضا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المرفوع عند
أحمد وأصحاب السنن قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918581إن [ ص: 72 ] سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي : " تبارك الذي بيده الملك " قالوا : وإنما هي ثلاثون بدون البسملة . وأجيب بمثل ما قلنا آنفا من أن عدد آيات السور باعتبار ما هو خاص بالسورة وهو ما دون البسملة . ويؤيده ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من أن سورة الكوثر ثلاث آيات . وقد روى
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
أنس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918582بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه مبتسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : نزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : ( بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) . وهذا الحديث ناطق بأن البسملة من سورة الكوثر مع عدم عدها من آياتها لما ذكرنا ، فكونها آية من الفاتحة أولى وهو أصح في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في سورة الملك ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أعله بأن
عباسا الحشمي راويه لا يعرف سماعه من
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
واستدلوا بالأحاديث الواردة في عدم قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه لها في الصلاة وأصرحها
nindex.php?page=hadith&LINKID=918583قول nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل : " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر ، ومع عمر ومع عثمان . فلم أسمع أحدا منهم يقولها " يعني البسملة رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
ابن عبد الله بن مغفل وهو مجهول ، فقد كان له سبعة أولاد وهذه علة تمنع صحة الحديث . قالوا : وقد تفرد به
الحريري وقيل : إنه قد اختلط بآخره . وقد يفسر بما ترى فيما قالوه في الحديث الذي بعده .
وفي معناه
nindex.php?page=hadith&LINKID=918584حديث أنس في إحدى الروايات قال : " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . رواه
أحمد ومسلم . قال في المنتقى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918585وفي لفظ " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " . رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي بإسناد على شرط الصحيح .
ولأحمد ومسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918586 " صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها " .
nindex.php?page=showalam&ids=16408ولعبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن
شعبة عن
قتادة nindex.php?page=hadith&LINKID=918587عن أنس قال : " صليت خلف رسول الله وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم " قال
شعبة قلت
لقتادة : أنت سمعت من
أنس ؟ قال : نعم نحن سألناه عنه .
nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي عن
منصور بن زازان nindex.php?page=hadith&LINKID=918588عن أنس قال : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما " اهـ .
[ ص: 73 ] قال
الشوكاني في شرح الحديث : ورواية " فكانوا لا يجهرون " أخرجها أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني . وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13114لابن خزيمة : " كانوا يسرون " - وقوله : " كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين " هذا متفق عليه . وإنما انفرد
مسلم بزيادة : " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم " وقد أعل هذا اللفظ بالاضطراب وفسر بأن جماعة من أصحاب
شعبة رووه عنه به ، وجماعة رووه عنه بلفظ : " فلم أسمع أحدا منهم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم " . ثم نقل عن الحافظ أن بعضهم رواه باللفظين وقد خرج كل رواية .
أقول : وقد جمعوا بين الروايات بأن المراد بالاستفتاح بالحمد لله الاستفتاح بهذه السورة فقد صح التعبير عنها في حديث آخر بجملة : " الحمد لله " . وبأن عدم سماعها سببه عدم الجهر بها ، وقد يكون له سبب آخر وهو البعد عن أول الصف . ومن العادة أن يكون صوت القارئ خافتا في أول القراءة . وسبب ثالث وهو اشتغال المأموم عند السماع بالتحرم ودعاء الافتتاح .
وقد عورض وأعل حديث
أنس على اضطراب متنه بما يأتي عنه من مخالفته له في صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وصححه
nindex.php?page=hadith&LINKID=918589عن أبي سلمة ، قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : " أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين ، أو ببسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال : إنك سألتني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك فقلت : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى في النعلين ؟ قال : نعم " . قالوا : وعروض النسيان في مثل هذا غير مستنكر فقد حكى
الحازمي عن نفسه أنه حضر جامعا وحضره جماعة من أهل التمييز المواظبين في ذلك الجامع ، فسألهم عن حال إمامهم في الجهر والإخفات قال : - وكان صيتا يملأ صوته الجامع - فاختلفوا في ذلك فقال بعضهم : يجهر ، وقال بعضهم يخفت أ هـ .
أقول : ولم يختلف هؤلاء المصلون في صلاة واحدة ، بل في جميع الصلوات ، وسبب ذلك الغفلة والناس عرضة لها ، ولا سيما الغفلة عن أول صلاة الإمام . إذ يكون المأمومون مشغولين بمثل ما يشغله من الدخول فيها وقراءة دعاء الافتتاح كما تقدم آنفا .