الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم :
ومما بينه القرآن في مسألة الأنبياء والرسل أنه يجب الإيمان بجميع رسل الله تعالى ، وعدم التفرقة بينهم في الإيمان ببعضهم والكفر ببعض كالكفر بهم كلهم ; لأن إضافتهم إلى الله تعالى وحده . ووظيفتهم في إرشاد المكلفين تبليغ رسالته وشرعه واحدة .
قال تعالى في خواتيم سورة البقرة : (
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) ( 2 : 285 ) وبين في سورة النساء أن التفرقة بينهم في الإيمان هو الكفر حق الكفر ، وأن الإيمان بالجميع بغير تفرقة هو الإيمان حق الإيمان ، وهو في الآيات ( 4 : 150 - 152 ) .
وهذا مبني على الإيمان بأن دين الله تعالى الذي أرسل به جميع رسله واحد في مقاصده من هداية البشر وإصلاحهم ، وإعدادهم لسعادة الدنيا والآخرة ، وإنما تختلف صور العبادات والشرائع باختلاف استعداد الأقوام ومقتضيات الزمان والمكان . فالإيمان ببعضهم دون بعض اتباع للهوى في الإيمان ، وجهل بحقيقة الدين ، فلا يعتد به لأنه عين الكفر .
وقد انفرد بهذه الحقيقة العادلة المسلمون دون
أهل الكتاب ، الذين لا يؤمنون إلا بأنبياء
بني إسرائيل وأبيهم وجدهم على ما يذكرون في كتبهم من عيوب ومنكرات وفواحش يرمونهم بها .
وأما المسلمون فيؤمنون بأن رب العالمين أرسل في كل الأمم رسلا هادين مهديين ، يؤمنون بهم إجمالا وبما قصه القرآن عن بعضهم تفصيلا ، فقد كرم الإسلام بهذا نوع الإنسان ، ومهد به السبيل للألفة والأخوة الإنسانية العامة التي نبينها بعد .
ومن المعلوم ببداهة العقل وبنص القرآن ، أن بعض الأنبياء أفضل من بعض بتخصيص
[ ص: 183 ] الله تعالى ، وبما كان لكل من نفع العباد وهدايتهم وهي متفاوتة جدا . قال الله تعالى : (
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) ( 2 : 253 ) .
ومن المعلوم بالدلائل العقلية والنقلية
أن محمدا خاتم النبيين الذي أكمل الله به الدين ، وأرسله رحمة للعالمين ، هو الذي رفعه الله عليهم كلهم درجات كما بيناه في تفسير تلك الآية بالإجمال وفصلناه في هذا البحث أقصد التفصيل .
وإنك لتجد مع هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأتباعه : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920458لا تفضلوا بين أنبياء الله ) ) قاله إنكارا على رجل من المسلمين لطم يهوديا لأنه قال : لا والذي اصطفى
موسى على البشر . فشكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب غضبا شديدا على صاحبه المسلم وقاله .
وبين مزية
لموسى عليهما الصلاة والسلام في الآخرة ، ثم قال : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=919744ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى ) ) والحديث رواه الشيخان في الصحيحين ، وفي روايات أخرى
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920459لا تخيروا بين الأنبياء ) ) وفي بعضها ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920460لا تخيروني على موسى ) ) والغرض من ذلك كله منع المسلمين من تنقيص أحد من الأنبياء عليهم السلام ، ومن التعادي بين الناس ، ومن الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم - ، وإلا فهو قد قال في تعليل نهيه عن سؤال أهل الكتاب عن شيء : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918900والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ) ) رواه
أبو يعلى من حديث
جابر .