المسألة السابعة :
بناء اجتهاد أولي الأمر على المصالح العامة :
إذا علمت أن اجتهاد أولي الأمر هو الأصل الثالث من أصول الشريعة الإسلامية ، وأنهم إذا أجمعوا رأيهم وجب على أفراد الأمة وعلى حكامها العمل به ، فاعلم أن اجتهادهم خاص في المختار عندنا بالمعاملات القضائية والسياسية ، والمدنية دون العبادات والأحكام الشخصية إذا لم ترفع إلى القضاء ، وأنه ينبغي أن يبنى على قاعدة جلب المصالح وحفظها ودرء المفاسد وإزالتها ، ويظن بعض المشتغلين بالعلم أن جعل
المصالح المرسلة أي - المطلقة - أصلا من أصول الفقه خاص بالمالكية ، لكن قال
القرافي : إنها عند التحقيق ثابتة في جميع المذاهب ، ومن الأدلة عليها حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919150لا ضرر ، ولا ضرار رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والثاني عن عبادة ، وعلم
السيوطي عليه في الجامع الصغير بالحسن ، ورواه
الحاكم ، وقال : صحيح على شرط
مسلم ، ولها دلائل أخرى أشرنا إلى بعضها في محاورات المصلح والمقلد ، والأصل فيها رفع الحرج والعسر ، وتقديم كل ما فيه اليسر على الأمة وهذا ثابت في القرآن ، وأشرنا إليه في سياق تفسير الآية التي نحن بصدد تفسيرها .
ومما يتفرع على ذلك ، التعارض بين المصلحة العامة وبين العمل ببعض النصوص ، وهو يرجع في الحقيقة إلى التعارض بين النصوص ؛ لأن مراعاة المصلحة مؤيدة بها ، وقلما ترى في الكتب المتداولة بحثا مشبعا في هذه المسألة المهمة التي تتوقف عليها حياة الشريعة والعمل بها ، وإنك لترى المشتغلين بالفقه لا يبالون بتقديم نصوص علماء مذاهبهم على العمل بما تحفظ به المصلحة العامة ، فما بالك بنصوص الكتاب والسنة ؟ ولم نر أحدا توسع في هذه المسألة كما توسع فيها
نجم الدين الطوفي من أئمة الحنابلة توفي سنة 716 هـ في شرح الحديث الذي ذكرناه آنفا ، وقد نشرنا كلامه في ذلك في المجلد العاشر من المنار ، وقاعدته : أن المصلحة مقدمة حتى على النص والإجماع ، وقد عرفها ـ بحسب العرف ـ بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع كالتجارة المؤدية إلى الربح ، وبحسب الشرع : بأنها السبب المؤدي إلى مقصود الشارع عبادة أو عادة ، وأورد في الاستدلال عليها من القرآن سبعة أوجه من قوله تعالى :
[ ص: 173 ] ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ( 10 : 57 ، 58 ) ، وأقول : إن في القرآن دلائل كثيرة أصرح من هاتين الآيتين في الدلالة عليها ، والكلام في تفضيل ذلك بدلائل الكتاب والسنة وعمل الصحابة يطول ويمكن أن يدخل في كتاب خاص ، ولعلنا نوفق لبيانه في مقدمة التفسير التي نودعها كليات فقه القرآن وحكمته العليا .
على أن
الطوفي لم يقتصر على وجوه تينك الآيتين بل ذكر دلائل أخرى من الكتاب والسنة ومسائل الإجماع ، ورد ما يعترض به على هذه القاعدة وبين ما تتعارض به المصالح ، وطرق الترجيح فيها ، فليراجعه من شاء في المجلد العاشر ( من المنار من ص 745 - 770 ) .