الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          المسألة الثامنة ـ في الأخبار والآثار في الجماعة بمعنى الإجماع :

                          بينا أن لفظ الإجماع لم يرد في الكتاب والسنة بالمعنى المعروف في اصطلاح الأصوليين ، ولكن ورد في الأخبار والآثار لفظ الجماعة بالمعنى المقصود من الإجماع الأصولي الصحيح المختار ، ويقابله الاختلاف والتفرق اللذان نهى الله عنهما ورسوله نهيا شديدا .

                          ومن الأخبار في ذلك حديث : من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي ذر ، وابن أبي شيبة عن حذيفة ، ورواه الحاكم عن ابن عمر بلفظ : من خرج من الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية وبقريب من هذا اللفظ الطبراني عن ابن عباس ، والنسائي عن حذيفة بلفظ : من فارق الجماعة شبرا فقد فارق الإسلام ورواه غيرهم أيضا بألفاظ متقاربة .

                          ومنها حديث : يد الله على الجماعة رواه الترمذي عن ابن عباس ، والطبراني عن عرفجة بزيادة : " والشيطان مع من خالف الجماعة يركض " وحديث : " لن تجتمع أمتي على ضلالة أبدا ، وإن يد الله على الجماعة " رواه بهذا اللفظ الطبراني عن ابن عمر ، وتقدم في المسألة الخامسة ذكر الشطر الأول منه .

                          قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند ذكر قول البخاري : " باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، وما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلزوم الجماعة وهم أهل العلم " ، وورد الأمر بلزوم الجماعة في عدة أحاديث منها ما أخرجه الترمذي مصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري ، فذكر حديثا طويلا فيه : وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ; فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، وفي خطبة عمر المشهورة التي خطبها في الجابية : عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان [ ص: 174 ] مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، وفيه : من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، وقال ابن بطال : مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله : لتكونوا شهداء على الناس ( 2 : 143 ) ، وشرط قبول الشهادة العدالة ، وقد ثبتت لهم هذه الصفة بقوله : وسطا والوسط العدل ، والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر ، وقال الكرماني : مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله - أي البخاري - وهم أهل العلم ، والآية التي ترجم عليها احتج بها أهل الأصول لكون الإجماع حجة ؛ لأنهم عدلوا بقوله تعالى : جعلناكم أمة وسطا ، أي عدولا ، ومقتضى ذلك أنهم عصموا من الخطأ فيما أجمعوا عليه قولا وفعلا ، انتهى ما أورده في الفتح ، وقوله : " عصموا " إلخ ، ممنوع كما تقدم .

                          أقول : إن التعديل للأمة ، وإنما يمثل الأمة أهل الحل والعقد ، وهم الذين يناط بهم أمرها ويجب عليها اتباعهم فيما أجمعوه وعزموه لا المجتهدون ، خاصة الذين ذكرهم جمهور المصنفين في الأصول الذين قد يكونون رجلين حرين أو عبدين أو امرأتين ، فإن هذين أو هاتين لا يصح أن يصدق عليهما نص وكذلك جعلناكم أمة وسطا فلله در ابن بطال فقد جاء بالحق ، وما بعد الحق إلا الضلال .

                          وقال البخاري في باب قوله تعالى : وأمرهم شورى بينهم ( 42 : 38 ) ، من أواخر كتاب الاعتصام : وكان الأئمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضع الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذكر قتال أبي بكر لمانعي الزكاة من غير استشارة عملا بالنص ، ثم قال : وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا ، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل اهـ .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية