1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة النساء
  4. تفسير قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
صفحة جزء
المسألة الثامنة ـ في الأخبار والآثار في الجماعة بمعنى الإجماع :

بينا أن لفظ الإجماع لم يرد في الكتاب والسنة بالمعنى المعروف في اصطلاح الأصوليين ، ولكن ورد في الأخبار والآثار لفظ الجماعة بالمعنى المقصود من الإجماع الأصولي الصحيح المختار ، ويقابله الاختلاف والتفرق اللذان نهى الله عنهما ورسوله نهيا شديدا .

ومن الأخبار في ذلك حديث : من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي ذر ، وابن أبي شيبة عن حذيفة ، ورواه الحاكم عن ابن عمر بلفظ : من خرج من الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية وبقريب من هذا اللفظ الطبراني عن ابن عباس ، والنسائي عن حذيفة بلفظ : من فارق الجماعة شبرا فقد فارق الإسلام ورواه غيرهم أيضا بألفاظ متقاربة .

ومنها حديث : يد الله على الجماعة رواه الترمذي عن ابن عباس ، والطبراني عن عرفجة بزيادة : " والشيطان مع من خالف الجماعة يركض " وحديث : " لن تجتمع أمتي على ضلالة أبدا ، وإن يد الله على الجماعة " رواه بهذا اللفظ الطبراني عن ابن عمر ، وتقدم في المسألة الخامسة ذكر الشطر الأول منه .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند ذكر قول البخاري : " باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، وما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلزوم الجماعة وهم أهل العلم " ، وورد الأمر بلزوم الجماعة في عدة أحاديث منها ما أخرجه الترمذي مصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري ، فذكر حديثا طويلا فيه : وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ; فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، وفي خطبة عمر المشهورة التي خطبها في الجابية : عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان [ ص: 174 ] مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، وفيه : من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، وقال ابن بطال : مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله : لتكونوا شهداء على الناس ( 2 : 143 ) ، وشرط قبول الشهادة العدالة ، وقد ثبتت لهم هذه الصفة بقوله : وسطا والوسط العدل ، والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر ، وقال الكرماني : مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله - أي البخاري - وهم أهل العلم ، والآية التي ترجم عليها احتج بها أهل الأصول لكون الإجماع حجة ؛ لأنهم عدلوا بقوله تعالى : جعلناكم أمة وسطا ، أي عدولا ، ومقتضى ذلك أنهم عصموا من الخطأ فيما أجمعوا عليه قولا وفعلا ، انتهى ما أورده في الفتح ، وقوله : " عصموا " إلخ ، ممنوع كما تقدم .

أقول : إن التعديل للأمة ، وإنما يمثل الأمة أهل الحل والعقد ، وهم الذين يناط بهم أمرها ويجب عليها اتباعهم فيما أجمعوه وعزموه لا المجتهدون ، خاصة الذين ذكرهم جمهور المصنفين في الأصول الذين قد يكونون رجلين حرين أو عبدين أو امرأتين ، فإن هذين أو هاتين لا يصح أن يصدق عليهما نص وكذلك جعلناكم أمة وسطا فلله در ابن بطال فقد جاء بالحق ، وما بعد الحق إلا الضلال .

وقال البخاري في باب قوله تعالى : وأمرهم شورى بينهم ( 42 : 38 ) ، من أواخر كتاب الاعتصام : وكان الأئمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضع الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذكر قتال أبي بكر لمانعي الزكاة من غير استشارة عملا بالنص ، ثم قال : وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا ، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية