الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          المسألة السابعة : بناء اجتهاد أولي الأمر على المصالح العامة :

                          إذا علمت أن اجتهاد أولي الأمر هو الأصل الثالث من أصول الشريعة الإسلامية ، وأنهم إذا أجمعوا رأيهم وجب على أفراد الأمة وعلى حكامها العمل به ، فاعلم أن اجتهادهم خاص في المختار عندنا بالمعاملات القضائية والسياسية ، والمدنية دون العبادات والأحكام الشخصية إذا لم ترفع إلى القضاء ، وأنه ينبغي أن يبنى على قاعدة جلب المصالح وحفظها ودرء المفاسد وإزالتها ، ويظن بعض المشتغلين بالعلم أن جعل المصالح المرسلة أي - المطلقة - أصلا من أصول الفقه خاص بالمالكية ، لكن قال القرافي : إنها عند التحقيق ثابتة في جميع المذاهب ، ومن الأدلة عليها حديث : لا ضرر ، ولا ضرار رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس ، والثاني عن عبادة ، وعلم السيوطي عليه في الجامع الصغير بالحسن ، ورواه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولها دلائل أخرى أشرنا إلى بعضها في محاورات المصلح والمقلد ، والأصل فيها رفع الحرج والعسر ، وتقديم كل ما فيه اليسر على الأمة وهذا ثابت في القرآن ، وأشرنا إليه في سياق تفسير الآية التي نحن بصدد تفسيرها .

                          ومما يتفرع على ذلك ، التعارض بين المصلحة العامة وبين العمل ببعض النصوص ، وهو يرجع في الحقيقة إلى التعارض بين النصوص ؛ لأن مراعاة المصلحة مؤيدة بها ، وقلما ترى في الكتب المتداولة بحثا مشبعا في هذه المسألة المهمة التي تتوقف عليها حياة الشريعة والعمل بها ، وإنك لترى المشتغلين بالفقه لا يبالون بتقديم نصوص علماء مذاهبهم على العمل بما تحفظ به المصلحة العامة ، فما بالك بنصوص الكتاب والسنة ؟ ولم نر أحدا توسع في هذه المسألة كما توسع فيها نجم الدين الطوفي من أئمة الحنابلة توفي سنة 716 هـ في شرح الحديث الذي ذكرناه آنفا ، وقد نشرنا كلامه في ذلك في المجلد العاشر من المنار ، وقاعدته : أن المصلحة مقدمة حتى على النص والإجماع ، وقد عرفها ـ بحسب العرف ـ بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع كالتجارة المؤدية إلى الربح ، وبحسب الشرع : بأنها السبب المؤدي إلى مقصود الشارع عبادة أو عادة ، وأورد في الاستدلال عليها من القرآن سبعة أوجه من قوله تعالى : [ ص: 173 ] ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ( 10 : 57 ، 58 ) ، وأقول : إن في القرآن دلائل كثيرة أصرح من هاتين الآيتين في الدلالة عليها ، والكلام في تفضيل ذلك بدلائل الكتاب والسنة وعمل الصحابة يطول ويمكن أن يدخل في كتاب خاص ، ولعلنا نوفق لبيانه في مقدمة التفسير التي نودعها كليات فقه القرآن وحكمته العليا .

                          على أن الطوفي لم يقتصر على وجوه تينك الآيتين بل ذكر دلائل أخرى من الكتاب والسنة ومسائل الإجماع ، ورد ما يعترض به على هذه القاعدة وبين ما تتعارض به المصالح ، وطرق الترجيح فيها ، فليراجعه من شاء في المجلد العاشر ( من المنار من ص 745 - 770 ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية