المسألة الحادية عشرة : في زعم بعض المقلدين أن الآية تدل على وجوب
التقليد :
هذه المسألة أظهر من سابقتها في جعل الآية دليلا على ضد المراد منها فإنها مبينة لأركان الاجتهاد وشارعة له ، وقد جعلها بعض الجاهلين حجة على وجوب التقليد ، فزعموا أن تفسير أولي الأمر بالعلماء المجتهدين يدل على ذلك ، وهو ظاهر البطلان ، فإن الذين فسروا بذلك أرادوا به أن إجماعهم حجة يجب العمل به على المجتهد وغير المجتهد ، لا أن كل عالم مجتهد يجب أن يتبع ، فإن طاعة أفراد المجتهدين تتعارض باختلافهم ، وطاعة الجميع إذا أجمعوا هي الممكنة ، على أن الطاعة غير الاتباع ، قال صاحب " فتح البيان في مقاصد القرآن " ما نصه :
" ومن جملة ما استدل به المقلدة هذه الآية ، قالوا : وأولو الأمر هم العلماء ، والجواب أن للمفسرين في تفسيرها قولين ، أحدهما : أنهم الأمراء ، والثاني : أنهم العلماء كما تقدم ، ولا يمتنع إرادة الطائفتين من الآية الكريمة ـ أي معا ـ ولكن أين هذا من الدلالة على مراد المقلدين ؟ فإنه لا طاعة لأحدهما إلا إذا أمروا بطاعة الله على وفق سنة رسوله وشريعته ،
[ ص: 179 ] وأيضا العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم ، ونهوهم عن ذلك كما روي عن الأئمة الأربعة وغيرهم ، فطاعتهم ترك تقليدهم ، ولو فرضنا أن في العلماء من يرشد الناس إلى التقليد ويرغبهم فيه لكان يرشد إلى معصية الله ، ولا طاعة له بنص حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على وفق سنة رسوله وشريعته ، وإنما قلنا يرشد إلى معصية الله ؛ لأن من أرشد هؤلاء العامة الذين لا يعقلون الحجج ، ولا يعرفون الصواب من الخطأ إلى التمسك بالتقليد كان هذا الإرشاد منه مستلزما لإرشادهم إلى ترك العمل بالكتاب والسنة إلا بواسطة آراء العلماء الذين يقلدونهم ، فما عملوا به عملوا به ، وما لم يعملوا به لم يعملوا ، ولا يلتفتون إلى كتاب وسنة ، بل من
شرط التقليد الذي أصيبوا به أن يقبل من إمامه رأيه ولا يعول على روايته ، ولا يسأله عن كتاب ولا سنة ، فإن سأله عنهما خرج عن التقليد ; لأنه قد صار مطالبا بالحجة ، انتهى كلامه ، والأمر عند هؤلاء المقلدة الذين يضعون هذه الأحكام في أصول الدين وفروعه أعظم مما قال ، والجماهير متبعة لهم مع نقلهم الإجماع الذي لم يخالف فيه أحد قط أن المقلد جاهل لا رأي له ولا يؤخذ بكلامه ، وقد بينا تهافتهم في مواضع كثيرة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .