الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          المسألة الثانية عشرة ـ مراتب الطاعات الثلاث في الآية ونكتة تكرار لفظة الطاعة :

                          قد رأى القارئ ما قاله الأستاذ الإمام في نكتة تكرار لفظ أطيعوا في جانب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أولي الأمر ، ولم تكن هذه النكتة ظاهرة عندي ، وقد ورد الأمر بطاعة الله والرسول مع تكرار لفظ الطاعة وعدمه في عدة آيات التفرقة بينها عسيرة ، فإن كان هنالك فرق بين التعبيرين فالأقرب عندي أن يقال : إن إعادة كلمة أطيعوا تدل على تغير الطاعتين ، كأن تجعل الأولى طاعة ما نزل الله من القرآن ، والثانية طاعة الرسول فيما يأمر به باجتهاده ، وقد يؤيد هذا الفهم ما ورد من الحكم بما في كتاب الله عز وجل ، فإن لم يوجد فيه نص في القضية ينظر في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقضي بما فيها ، وهذا ما أمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذا حين أرسله إلى اليمن ، وهو ما جرى عليه الخلفاء الراشدون وقضاتهم وعمالهم كما تقدم في المسألة الأولى من هذه المسائل ، وعبرنا عنها بالمبحث الأول ، وعطف طاعة أولي الأمر على طاعة الرسول بدون إعادة العامل أطيعوا لأنهما في هذا المقام من جنس واحد ، أي : إن طاعة أولي الأمر في اجتهادهم بدل من طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اجتهاده وحالة محلها بعد وفاته ، لا لأنهم معصومون كعصمته ، بل لأن المصلحة وارتقاء الأمة وسلامتها من الاستبداد لا تتحقق إلا بذلك ، وقد نبهنا على هذا المعنى من قبل ، وإنما أعدناه لنذكر الناس أن هؤلاء الأصوليين لم يقولوا بعصمة الأنبياء في اجتهادهم ؛ لأن الله تعالى بين في كتابه شيئا مما عاتبهم فيه على بعض اجتهادهم ولم يقرهم عليه فكيف يكون لخلفهم من أولي الأمر من المزية ما ليس لهم ؟

                          [ ص: 180 ] وما ثبت في السنة وعمل الصحابة من جعل السنة في المرتبة الثانية يدل على أن الكتاب لا ينسخ بها ، وأنه هو المرجح دائما عند التعارض .

                          هذا ما فتح به علينا عند طبع تفسير هذه الآية الحكيمة من المسائل التي يتجلى به معناها ، والترجيح بين أقوال المفسرين فيها أنه يجب على جميع المؤمنين طاعة الله بالعمل بكتابه ، وطاعة رسوله باتباع سنته ، وطاعة جماعة أولي الأمر ـ وهم أهل الحل والعقد من علماء الأمة ورؤسائها الموثوق بهم عندها ـ فيما يضعونه لها بالشورى من الأحكام المدنية ، والقضائية ، والسياسية ، ومنها الصحية والعسكرية ، وإذا وقع التنازع بين أولي الأمر ، أو بين أفراد الأمة وجماعاتها في شيء فيجب رده إلى الله ورسوله بعرضه على الكتاب والسنة ، والعمل بما يظهر للمتنازعين أو لمن يحكمونهم في فصل النزاع من النصوص ، أو مقتضى القواعد والأصول العامة فيهما أو القياس على ما عرفت علته فيهما ، ولا نسلم قول الرازي والنيسابوري : إن هذا الرد خاص بما لا نص فيه ولا إجماع ; لأنه مبني على التنازع والخلاف ، ويجوز أن يقع التنازع والخلاف فيما فيه نص لم يعرفه المتنازعون ، كما اختلف المهاجرون والأنصار على عمر في الدخول على مكان الطاعون مع وجود النص الذي رواه بعد ذلك عبد الرحمن بن عوف ، ولو جاء عبد الرحمن قبل تحكيم عمر لمشايخ قريش ، وروى لهم الحديث لعملوا به ولم يحتاجوا إلى التحكيم ، فليتأمل المستقلون ما حققناه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

                          ( تنبيه ) : تكرر في تفسير هذه الآية لفظ " النص " معرفا ومضافا إلى الكتاب والسنة بمعنى عبارتهما لا النص الأصولي .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية