ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا .
[ ص: 214 ] أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي والحاكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919181أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى
المدينة أمرهم بالقتال فكفوا ، فأنزل الله
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم الآية ، ذكره
السيوطي في لباب النقول ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره وعنده روايات أخرى أنها في أناس من الصحابة على الإبهام .
قال الأستاذ الإمام : إنني أجزم ببطلان هذه الرواية مهما كان سندها ; لأنني أبرئ السابقين الأولين
كسعد وعبد الرحمن مما رموا به ، وهذه الآية متصلة بما قبلها ، فإن الله - تعالى - أمر بأخذ الحذر والاستعداد للقتال والنفر له ، وذكر حال المبطئين لضعف قلوبهم ، وأمرهم بما أمرهم من القتال في سبيله وإنقاذ المستضعفين ، ثم ذكر بعد ذلك شأنا آخر من شئونهم وذلك أن المسلمين ، كانوا قبل الإسلام في تخاصم وتلاحم وحروب مستحرة مستمرة - ولا سيما
الأوس والخزرج - فإن الحروب بينهم لم تنقطع إلا بالإسلام ، وبعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم أمرهم الإسلام بالسلم وتهذيب النفوس بالعبادة والكف عن الاعتداء والقتال إلى أن اشتدت الحاجة إليه ففرضه عليهم فكرهه الضعفاء منهم ، قال تعالى :
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة الاستفهام للتعجيب منهم إذ أمرهم الله - تعالى - باحترام الدماء ، وكف الأيدي عن الاعتداء ، وبإقامة الصلاة ، وبالخشوع والعبودية لله ، وتمكين الإيمان في قلوبهم ، وبإيتاء الزكاة التي تفيد مع تمكين الإيمان شد أواخي التراحم بينهم ، فأحبوا أن يكتب الله عليهم القتال ليجروا على ما تعودوا
فلما كتب عليهم القتال للدفاع عن بيضتهم وحماية حقيقتهم ، كرهه الضعفاء منهم ، وكان عليهم أن يفقهوا من الأمر بكف الأيدي أن الله - تعالى - لا يحب سفك الدماء ، وأنه ما كتب القتال إلا لضرورة دفاع المبطلين المغيرين على الحق وأهله لأنهم خالفوا أباطيلهم واتبعوا الحق من ربهم ، فيريدون أن ينكلوا بهم ، أو يرجعوا عن حقهم فأين محل الاستنكار في مثل هذه الحال ؟ وهؤلاء هم ضعفاء المسلمين الذين ذكر أنهم يبطئون عن القتال ولذلك قال :
إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية و أو هنا بمعنى " بل " أي : إنهم يخشون الناس بين اثنين في الخشية أن يميل إلى هذا تارة وإلى الآخر تارة ، وكان هؤلاء قد رجحوا بترك القتال خشية الناس مطلقا قال :
أو أشد خشية أي : بل أشد خشية ، أقول : استنكر الأستاذ نزول الآية في بعض كبار الصحابة المشهود لهم بالجنة وما استحقوها إلا بقوة الإيمان ، والعمل والإذعان ، وجعلها في المبطئين على الوجه الذي اختاره فيهم وهو أنهم ضعاف
[ ص: 215 ] الإيمان ، والوجه الآخر أنهم المنافقون كما تقدم ، فكيف تصدق رواية تجعل
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف منهم !