ثم بين - تعالى -
بعض أحوال المشركين فقال :
إن يدعون من دونه إلا إناثا ، أي : إنهم لا يدعون من دون الله لقضاء حوائجهم وتفريج كروبهم ، إلا إناثا كاللات والعزى ومناة ، وكان لكل قبيلة صنم يسمونه أنثى بني فلان ، أو المراد أسماء معبودات وآلهة ليس لها من حقيقة معنى الألوهية شيء كما قال في سورة أخرى :
ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ( 12 : 40 ) ، أي : أسماء مؤنثة في الغالب ، أو المراد معبودات ضعيفة أو عاجزة كالإناث لا تدفع عدوا ولا تدرك ثأرا ، كما وصفها في موضع آخر بأنها لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ، وكانت العرب تصف الضعيف بالأنوثة لما ذكرنا من ضعف المرأة بل ضعف جميع إناث الحيوان عن الذكور ، حتى قالوا للحديد اللين أنيث ، ورجح
الراغب وغيره أن وجه تسمية معبوداتهم إناثا هو كونها جمادات منفعلة لا فعل لها كالحيوان الذي هو فاعل منفعل ، كما وصفت في غير هذا الموضع بكونها لا تسمع ولا تبصر ، وليس لها أيد تبطش بها ولا أرجل تمشي بها ، كأنه يذكرهم بهذا النوع من الأدلة على بطلان ألوهيتها بما ارتكبوه من العار والخزي بعبادة ما كان هذا وصفه ، وقد استبعد الأستاذ الإمام تفسير الإناث بالأصنام المذكورة كما استبعد تفسيره بالملائكة لأنهم سموهم بنات الله ، وقال : إن كثيرا من المفسرين قالوا : إن المراد بالإناث هنا الموتى ; لأن العرب تطلق عليهم لفظ الإناث لضعفهم أو يقال لعجزهم ومع ذلك كانوا يعظمون بعض الموتى ويدعونها كما يفعل ذلك كثير من أهل الكتاب ومسلمي هذه القرون ، وهذا هو الذي اختاره الأستاذ وقال : إن المراد بالدعاء ذلك التوجه المخصوص بطلب المعونة لهيبة غيبية لا يعقل الإنسان معناها .