1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة المائدة
  4. تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
صفحة جزء
المسح على كل ساتر كالجوربين والنعلين : قال في منتقى الأخبار : عن بلال قال : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الموقين والخمار " رواه أحمد ، ولأبي داود : كان يخرج فيقضي حاجته ، فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه " ولسعيد بن منصور في سننه ، عن بلال قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : امسحوا على النصيف والموق " وعن المغيرة بن شعبة : " أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين " رواه الخمسة ( أي : أحمد وأصحاب السنن الأربعة ) إلا النسائي ، وصححه الترمذي . انتهى .

وقال شارحه : إن حديث بلال أخرجه الترمذي والطبراني ، والضياء أيضا . قال أبو داود : " ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس ، وذكر روايات أخرى للحديث أعلوها ، ثم قال :

" والحديث بجميع رواياته يدل على جواز المسح على الموقين ، وهما ضرب من الخفاف ، قاله ابن سيده والأزهري ، وهو مقطوع الساقين ، قاله في الضياء ، وقال الجوهري : الموق : الذي يلبس فوق الخف ، قيل : وهو عربي ، وقيل : فارسي معرب ، وعلى جواز المسح على العمامة ، وعلى جواز المسح على النصيف ، وهو أيضا الخمار ، قاله في الضياء ، وعلى جواز المسح على الجورب ، وهو لفافة الرجل ، قاله في الضياء والقاموس ، وقد تقدم أنه الخف الكبير ، وقد قال بجواز المسح عليه من ذكرهم أبو داود من الصحابة . وزاد ابن سيد الناس في شرح الترمذي : عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبا مسعود البدري عقبة بن عمرو ، وقد ذكر في الباب الأول أن المسح على الخفين مجمع عليه بين الصحابة ، وعلى جواز المسح على النعلين ، وقيل : إنما يجوز على النعلين إذا لبسهما فوق الجوربين ، قال الشافعي : ولا يجوز مسح الجوربين إلا أن يكونا بنعلين يمكن متابعة المشي عليهما " انتهى .

أقول : إنما اشترط بعضهم في المسح على النعلين أن يلبسا على الجوربين ; لأن نعالهم لم تكن [ ص: 199 ] تستر الرجلين ، ومتى كانت الرجل مكشوفة كلها أو أكثرها وجب مسحها ، وأما النعال المستعملة الآن ، التي تستر القدمين فلا يشترط أن تلبس على الجوارب على أنها تلبس عليها غالبا ، وقد علمت أن الجوارب هي التي يسميها عامة المصريين ( شرابات ) وعامة الشوام ( قلاشين ) وكل ما يستر الرجلين يمسح عليه لا عبرة بالأسماء والأجناس ، وما دام الساتر يلبس عادة يمسح عليه ، لا يمنع من ذلك حدوث الخروق فيه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يمسحون في الأسفار الطويلة ; كسفر غزوة تبوك ، ولا يعقل أن تخلو خفافهم من الخروق ، ولم ينقل أن أحدا نهي عن المسح على خف فيه خروق ، ولو وقع ذلك لتوافرت الدواعي على نقله ، ولكن بعض الفقهاء الذين كانوا يعيشون في حواضر الأمصار ذات السعة واليسار ; كبغداد ومصر والمدينة المنورة شددوا في كثير من الأحكام بالرأي والقياس .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له : " والمسح على الخفين قد اشترط فيه طائفة من الفقهاء شرطين ( أحدهما ) أن يكون ساترا لمحل الفرض ، وقد تبين ضعف هذا الشرط ( أي : من كلام له في أول الفتوى بين أنه مخالف لإطلاق النصوص في المسح ، وللمعلوم بالضرورة من حال الصحابة وهو ما أشرنا إليه آنفا وللقياس ) . ( والثاني ) أن يكون الخف يثبت بنفسه ، وقد اشترط ذلك الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد ، فلو لم يثبت إلا بشده بشيء يسير أو خيط متصل به أو منفصل عنه ونحو ذلك ، لم يمسح ، وإن ثبت بنفسه ، لكنه لا يستر جميع المحل إلا بالشد ( كالزربول ) الطويل المشقوق يثبت بنفسه ، لكن لا يستر إلى الكعبين إلا بالشد ، ففيه وجهان ، أصحهما أنه يمسح عليه ، وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد ، بل المنصوص عنه في غير موضع أنه يجوز المسح على الجوربين ، وإن لم يثبتا بأنفسهما بل بنعلين تحتهما ، وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين ( أي : ولا يشترط هذا في الجوربين اللذين يثبتان بأنفسهما كالجوارب المستعملة في هذا العصر ) " .

" فإذا كان أحمد لا يشترط في الجوربين أن يثبتا بأنفسهما ، بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما ، فغيرهما بطريق الأولى ، وهنا قد ثبتا بالنعلين وهما منفصلان عن الجوربين ; فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به ، متصلا به أو منفصلا عنه ، أولى بالمسح عليه من الجوربين . وهكذا ما يلبس على الرجل من فرو وقطن وغيرهما ، إذا ثبت ذلك بشدهما بخيط متصل أو منفصل مسح عليهما بطريق الأولى .

فإن قيل : فيلزم من ذلك المسح على اللفائف ، وهو أن يلف على الرجل لفائف من البرد أو خوف الحفاء أو من جراح بهما ، ونحو ذلك ، قيل : في هذا وجهان ، ذكرهما الحلواني ، والصواب أنه يمسح على اللفائف ، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب ، فإن اللفائف [ ص: 200 ] إنما تستعمل للحاجة في العادة ، وفي نزعها ضرر ; إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح . فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى ، ومن ادعى في شيء من ذلك إجماعا فليس معه إلا عدم العلم ، ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين ، فضلا عن الإجماع . والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية