ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون
الاستفهام هنا للتقرير ، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر .
والمعنى عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : تنبه إلى أمر الذين خرجوا ، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل .
وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء : أي ألم ينته علمك إليهم ، أو معنى الوصول ، أي ألم يصل علمك إليهم ، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية ، أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا .
جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها - بمنزلة المعلومة لكل فرد ، أو المبصرة لكل مبصر ؛ لأن
أهل الكتاب قد أخبروا بها ودونوها وأشهروا أمرها ، والخطاب هنا لكل من يصلح له .
والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادعاء لظهوره وجلائه بحيث
[ ص: 168 ] يستوي في إدراكه الشاهد والغائب .
وقوله :
وهم ألوف في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا ، وألوف من جموع الكثرة ، فدل على أنها ألوف كثيرة .
وقوله :
حذر الموت مفعول له .
وقوله :
فقال لهم الله موتوا هو أمر تكوين ، عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة ، أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا فأطاعوا .
قوله :
ثم أحياهم هو معطوف على مقدر يقتضيه المقام : أي قال الله لهم موتوا فماتوا ثم أحياهم ، أو على قال لما كان عبارة عن الإماتة .
وقوله : إن الله لذو فضل على الناس التنكير في قوله " فضل " للتعظيم : أي لذو فضل عظيم على الناس جميعا ، أما هؤلاء الذين خرجوا فلكونه أحياهم ليعتبروا ، وأما المخاطبون فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء .
قوله :
وقاتلوا في سبيل الله هو معطوف على مقدر كأنه قيل : اشكروا فضله بالاعتبار بما قص عليكم وقاتلوا ، هذا إذا كان الخطاب بقوله : " وقاتلوا " راجعا إلى المخاطبين بقوله :
ألم تر إلى الذين خرجوا كما قاله جمهور المفسرين ، وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد ، وقيل : الخطاب للذين أحيوا من
بني إسرائيل فيكون عطفا على قوله : موتوا وفي الكلام محذوف تقديره : وقال لهم قاتلوا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : لا وجه لقول من قال : إن
الأمر بالقتال للذين أحيوا .
وقوله :
من ذا الذي يقرض الله لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك ، و " من " استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء ، و " ذا " خبره ، و " الذي " وصلته وصف له أو بدل منه ، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب ، وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال : أقرض فلان فلانا : أي أعطاه ما يتجازاه .
قال الشاعر :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : القرض في اللغة : البلاء الحسن والبلاء السيئ .
قال أمية :
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيئا ومدينا مثل ما دانا
وقال آخر :
فجازى القروض بأمثالها فبالخير خيرا وبالشر شرا
وقال الكسائي :
القرض : ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ ، وأصل الكلمة القطع ، ومنه المقراض واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه .
والله هو الغني الحميد ، شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء .
وقوله : حسنا أي : طيبة به نفسه من دون من ولا أذى .
وقوله : فيضاعفه قرأ عاصم وغيره بالألف ونصب الفاء .
وقرأ
نافع وأبو عمرو وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بإثبات الألف ورفع الفاء ، وقرأ
ابن عامر ويعقوب " فيضعفه " بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء .
وقرأ
ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد ورفع الفاء .
فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام ، ومن رفع فعلى تقدير مبتدأ ، أي هو يضاعفه .
وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال .
وقيل : لا يعلمه إلا الله وحده .
وقوله :
والله يقبض ويبسط هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط ، والقبض : التقتير ، والبسط : التوسيع ، وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ، ولهذا قال :
وإليه ترجعون أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه ، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم ، وإن بخلتم عاقبكم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا : نأتي أرضا ليس بها موت ، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله : موتوا ، فماتوا ، فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عنه : أن القرية التي خرجوا منها
داوردان .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم هذه القصة مطولة عن
أبي مالك وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز : أن ديارهم هي
أذرعات .
وأخرج أيضا عن
أبي صالح قال : كانوا تسعة آلاف .
وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء ، ولا يأتي الاستكثار من طرقها بفائدة .
وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي عن
الفرار من الطاعون ، وعن
دخول الأرض التي هو بها من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور وابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني والبيهقي في الشعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019659لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا الدحداح ، قال : أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده ، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي ، وله فيه ستمائة نخلة .
وقد أخرج هذه القصة
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وابن إسحاق وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : أضعافا كثيرة قال : هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو .
وأخرج
أحمد وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي قال : بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة حديث أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019660 " إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة " فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث ، فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة فقلت له ، فقال : ليس هذا قلت ، ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك ، إنما قلت : " إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة " ثم قال أبو [ ص: 169 ] هريرة : أو ليس تجدون هذا في كتاب الله ؟ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة فالكثيرة عند الله أكثر من ألفي ألف وألفي ألف ، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة .
وأخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه
وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019661لما نزلت مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل [ البقرة : 261 ] إلى آخره ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رب زد أمتي فنزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة قال : رب زد أمتي فنزلت إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [ الزمر : 10 ] .
وأخرج
ابن المنذر عن
سفيان قال :
لما نزلت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ الأنعام : 160 ] قال : رب زد أمتي ، فنزلت من ذا الذي يقرض الله قال : رب زد أمتي ، فنزلت مثل الذين ينفقون أموالهم [ البقرة : 261 ] قال : رب زد أمتي ، فنزلت إنما يوفى الصابرون وفي الباب أحاديث ، هذه أحسنها وستأتي عند تفسير قوله تعالى :
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فابحثها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
قتادة في قوله :
والله يقبض ويبسط قال : يقبض الصدقة ، ويبسط : قال : يخلف
وإليه ترجعون قال : من التراب وإلى التراب تعودون .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد في الآية قال : علم الله أن فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيل الله من يجد غنى ، فندب هؤلاء إلى القرض فقال :
من ذا الذي يقرض الله قال : يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له ، فقوه مما بيدك يكن لك الحظ .