لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
قد اختلف أهل العلم في قوله :
لا إكراه في الدين على أقوال : الأول : أنها منسوخة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، والناسخ لها قوله تعالى :
ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين [ التوبة : 73 ] وقال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين [ التوبة : 123 ] وقال :
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون [ الفتح : 16 ] ، وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين .
القول الثاني : أنها ليست بمنسوخة وإنما نزلت في
أهل الكتاب خاصة ، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية ، بل الذين يكرهون هم أهل الأوثان ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي والحسن وقتادة والضحاك .
القول الثالث : أن هذه الآية في
الأنصار خاصة ، وسيأتي بيان ما ورد في ذلك .
القول الرابع : أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره فلا إكراه في الدين .
القول الخامس : أنها وردت في السبي متى كانوا من
أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام .
وقال
ابن كثير في تفسيره : أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بين واضح جلي ، دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا ، وهذا يصلح أن يكون قولا سادسا .
وقال في الكشاف في تفسيره هذه الآية : أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، ولكن على التمكين والاختيار ، ونحوه قوله :
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [ يونس : 99 ] أي : لو شاء لقسرهم على الإيمان ، ولكن لم يفعل ، وبني الأمر على الاختيار ، وهذا يصلح أن يكون قولا سابعا .
والذي ينبغي اعتماده ويتعين الوقوف عنده : أنها في السبب الذي نزلت لأجله محكمة غير منسوخة ، وهو أن المرأة من
الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد ، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت
يهود بني نضير كان فيهم من أبناء
الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فنزلت ، أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في السنن
والضياء في المختارة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وقد وردت هذه القصة من وجوه ، حاصلها ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مع زيادات تتضمن أن
الأنصار قالوا : إنما جعلناهم على دينهم : أي دين
اليهود ، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا ، وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم ، فلما نزلت خير الأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكرههم على الإسلام .
وهذا يقتضي أن
أهل الكتاب لا يكرهون على
[ ص: 177 ] الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية .
وأما أهل الحرب فالآية وإن كانت تعمهم ؛ لأن النكرة في سياق النفي وتعريف الدين يفيدان ذلك ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في
إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام .
قوله :
قد تبين الرشد من الغي الرشد هنا الإيمان ، والغي الكفر ، أي قد تميز أحدهما على الآخر .
وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله .
والطاغوت فعلوت من طغى يطغي ويطغو : إذا جاوز الحد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هو اسم مذكر مفرد ، أي اسم جنس يشمل القليل والكثير ، وقال
أبو علي الفارسي : إنه مصدر كرهبوت وجبروت يوصف به الواحد والجمع ، وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه إلى موضع اللام كجبذ وجذب ، ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها ، فقيل : طاغوت ، واختار هذا القول النحاس ، وقيل : أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ، كما قيل : لآلئ من اللؤلؤ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : هو جمع .
قال
ابن عطية : وذلك مردود .
قال
الجوهري : والطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال ، وقد يكون واحدا .
قال الله تعالى :
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به [ النساء : 60 ] وقد يكون جمعا .
قال الله تعالى :
أولياؤهم الطاغوت والجمع طواغيت ، أي فمن يكفر بالشيطان أو الأصنام أو أهل الكهانة ورءوس الضلالة أو بالجميع ويؤمن بالله عز وجل بعد ما تميز له الرشد من الغي فقد فاز وتمسك بالحبل الوثيق ، أي المحكم .
والوثقى فعلى من الوثاقة وجمعها وثق مثل الفضلى والفضل .
وقد اختلف المفسرون في تفسير العروة الوثقى بعد اتفاقهم على أن ذلك من باب التشبيه والتمثيل لما هو معلوم بالدليل بما هو مدرك بالحاسة ، فقيل : المراد بالعروة الإيمان ، وقيل : الإسلام ، وقيل : لا إله إلا الله ، ولا مانع من الحمل على الجميع .
والانفصام : الانكسار من غير بينونة .
قال
الجوهري : فصم الشيء كسره من غير أن يبين .
وأما القصم بالقاف فهو الكسر مع البينونة ، وفسر صاحب الكشاف الانفصام بالانقطاع .
قوله :
الله ولي الذين آمنوا الولي فعيل بمعنى فاعل ، وهو الناصر .
وقوله : يخرجهم تفسير للولاية ، أو حال من الضمير في ولي ، وهذا يدل على أن المراد بقوله : الذين آمنوا الذين أرادوا الإيمان ؛ لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة ، والمراد بالنور في قوله :
يخرجونهم من النور إلى الظلمات ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين ، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر : أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء .
وقيل : المراد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورءوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير نحو ما تقدم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من ذكر سبب نزول قوله تعالى :
لا إكراه في الدين وزاد
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير الأبناء .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي نحوه أيضا ، وقال : فلحق بهم ، أي
ببني النضير من لم يسلم وبقي من أسلم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد قال : كان الناس من
الأنصار مسترضعين في
بني قريظة فثبتوا على دينهم ، فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
الحسن نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في
قوله : لا إكراه في الدين قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين ، كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلا مسلما ، فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فنزلت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
عبد الله بن عبيدة نحوه .
وكذلك أخرج
أبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة قال : كانت العرب ليس لها دين ، فأكرهوا على الدين بالسيف .
قال : ولا تكرهوا
اليهود ولا
النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن
الحسن نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أسلم : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية : أسلمي تسلمي ، فأبت ، فقال : اللهم اشهد ، ثم تلا
لا إكراه في الدين وروى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم أنه قال
لزنبق الرومي غلامه : لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين فأبى ، فقال :
لا إكراه في الدين .
وأخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى في قوله :
لا إكراه في الدين قال نسختها :
جاهد الكفار والمنافقين [ التوبة : 73 ] .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : الطاغوت الشيطان .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
عكرمة قال :
الطاغوت الكاهن .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
أبي العالية قال : الطاغوت الساحر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس قال : الطاغوت ما يعبد من دون الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : العروة الوثقى لا إله إلا الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : أنها القرآن .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد : أنها الإيمان .
وعن
سفيان : أنها كلمة الإخلاص .
وقد ثبت في الصحيحين تفسير العروة الوثقى في غير هذه الآية بالإسلام مرفوعا في تعبيره صلى الله عليه وآله وسلم لرؤيا
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
[ ص: 178 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=1019684اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود ، فمن تمسك بهما فقد تمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها .
وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : إذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى .
وأخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
معاذ أنه سئل عن قوله :
لا انفصام لها قال : لا انقطاع لها دون دخول الجنة .
وأخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
الله ولي الذين آمنوا الآية ، قال : هم قوم كانوا كفروا
بعيسى فآمنوا
بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت الآية ، قال : هم قوم آمنوا
بعيسى فلما بعث
محمد كفروا به .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
الضحاك قال : الظلمات الكفر ، والنور الإيمان .
وأخرج
أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي مثله .