يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
قوله :
اتقوا الله أي قوا أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا ، وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضا .
قوله :
إن كنتم مؤمنين قيل : هو شرط مجازي على جهة المبالغة ، وقيل : إن " إن " في هذه الآية بمعنى " إذ " .
قال
ابن عطية : وهو مردود لا يعرف في اللغة ، والظاهر أن المعنى : إن كنتم مؤمنين على الحقيقة ، فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه .
قوله :
فإن لم تفعلوا يعني ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا
فأذنوا بحرب من الله ورسوله أي فاعلموا بها ، من أذن بالشيء إذا علم به ، قيل : هو من الإذن بالشيء وهو الاستماع لأنه من طرق العلم .
وقرأ
أبو بكر عن
عاصم وحمزة " فآذنوا " على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم .
وقد دلت هذه على أن
أكل الربا والعمل به من الكبائر ، ولا خلاف في ذلك ، وتنكير الحرب للتعظيم ، وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته .
قوله :
فإن تبتم أي من الربا
فلكم رءوس أموالكم تأخذونها
لا تظلمون غرماءكم بأخذ الزيادة
ولا تظلمون أنتم من قبلهم بالمطل والنقص ، والجملة حالية أو استئنافية .
وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم .
قوله :
وإن كان ذو عسرة لما حكم سبحانه لأهل الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظر إلى يسار ، والعسرة : ضيق الحال من جهة عدم المال ، ومنه جيش العسرة .
والنظرة : التأخير ، والميسرة مصدر بمعنى اليسر ، وارتفع " ذو " بكان التامة التي بمعنى وجد ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وأبي علي الفارسي وغيرهما .
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه :
فدى لبني ذهل بن شيبان يا فتى إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وفي مصحف
أبي : " وإن كان ذا عسرة " على معنى : وإن كان المطلوب ذا عسرة .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش " وإن كان معسرا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني عن
أحمد بن موسى : وكذلك في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17116المعتمر عن
حجاج الوراق قال : في مصحف
عثمان :
وإن كان ذو عسرة قال
النحاس ومكي والنقاش : وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا ، وعلى من قرأ " ذو " فهي عامة في جميع من عليه دين ، وإليه ذهب الجمهور .
وقرأ الجماعة فنظرة بكسر الظاء .
وقرأ
مجاهد وأبو رجاء والحسن بسكونها وهي لغة
تميم .
وقرأ
نافع وحده " ميسرة " بضم السين والجمهور بفتحها ، وهي اليسار .
قوله :
وأن تصدقوا بحذف إحدى التاءين ، وقرئ بتشديد الصاد : أي وأن تصدقوا على معسري غرمائكم بالإبراء خير لكم ، وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وابن زيد والضحاك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وقال آخرون : معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم .
والصحيح الأول ، وليس في الآية مدخل للغني .
قوله :
إن كنتم تعلمون جوابه محذوف : أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به .
قوله :
واتقوا يوما هو يوم القيامة وتنكيره للتهويل وهو منصوب على أنه مفعول به لا ظرف .
وقوله :
ترجعون فيه إلى الله وصف له .
وقرأ
أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء وفتح الجيم ، وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت .
وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقدم .
وقوله : " إلى الله " فيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله
ثم توفى كل نفس من النفوس المكلفة ما كسبت أي جزاء ما عملت من خير أو شر ، وجملة
وهم لا يظلمون حالية ، وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب ، وهذه الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله :
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا قال : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ورجل من
بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من
ثقيف ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال :
كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة ، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزلت ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عتاب وقال : إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : " فأذنوا بحرب " قال : من كان مقيما
[ ص: 192 ] على الربا لا ينزع منه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه .
وأخرجوا أيضا عنه في قوله : " فأذنوا بحرب " قال : استيقنوا بحرب .
وأخرج أهل السنن وغيرهم عن
عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019713ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس .
وأخرج
ابن منده عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في
ربيعة بن عمرو وأصحابه
وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وإن كان ذو عسرة قال : نزلت في الربا .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد عن
شريح نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
الضحاك في الآية قال : وكذلك كل دين على مسلم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير نحوه .
وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره .
وأخرج
أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
آخر آية نزلت من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي مثله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن
أبي صالح nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير مثله أيضا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي من طريق
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها آخر آية نزلت ، وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحدى وثمانون يوما .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : أنه عاش النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم مات .