بسم الله الرحمن الرحيم
الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم
قرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرواسي ( الم ألله ) بقطع ألف الوصل على تقدير الوقف على الم كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة مع وصلهم . قال
الأخفش : ويجوز الم الله 30 بكسر الهمزة لالتقاء الساكنين
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هذا خطأ ولا تقوله العرب لثقله . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في الكتاب أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد طريق التلفظ بها الحكاية فقط ساكنة الأعجاز على الوقف ، سواء جعلت أسماء أو مسرودة على نمط التعديد ، وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف ، فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها ثم يبدأ بما بعدها كما فعله
الحسن ومن معه في قراءتهم المحكية سابقا .
وأما فتح الميم على القراءة المشهورة فوجهه ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل ، فحذفت الألف وحركت الميم بحركة الألف ، وكذا قال
الفراء .
وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد ، فلا محل لها من الإعراب ، وإن جعلت أسماء للسورة فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها ، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما ، وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الإعادة . وقوله : الله لا إله إلا هو مبتدأ وخبر ، والجملة مستأنفة ; أي : هو المستحق للعبودية .
والحي القيوم : خبران آخران للاسم الشريف أو خبران لمبتدأ محذوف ; أي : هو الحي القيوم ، وقيل : إنهما صفتان للمبتدأ الأول أو بدلان منه أو من الخبر ، وقد تقدم تفسير الحي والقيوم . وقرأ جماعة من الصحابة " القيام "
عمر nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
قوله :
نزل عليك الكتاب أي القرآن وقدم الظرف على المفعول به للاعتناء بالمنزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي إما جملة مستأنفة أو خبر آخر للمبتدأ الأول . قوله : بالحق أي بالصدق - وقيل : بالحجة الغالبة وهو في محل نصب على الحال .
وقوله : "
مصدقا " حال آخر من الكتاب مؤكدة ، لأنه لا يكون إلا مصدقا ، فلا تكون الحال منتقلة أصلا ، وبهذا قال الجمهور ، وجوز بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره . وقوله : لما بين يديه أي من الكتب المنزلة ، وهو متعلق بقوله : مصدقا ، واللام للتقوية .
قوله :
وأنزل التوراة والإنجيل هذه الجملة في حكم البيان لقوله : لما بين يديه . وإنما قال هنا : أنزل وفيما تقدم نزل ; لأن القرآن نزل منجما ، والكتابان نزلا دفعة واحدة ، ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه ، وذكر فيما تقدم أن الكتاب نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ; لأن القصد هنا ليس إلا إلى ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه .
قوله : من قبل أي أنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب . وقوله : هدى للناس إما حال من الكتابين أو علة للإنزال .
والمراد بالناس أهل الكتابين ، أو ما هو أعم ؛ لأن هذه الأمة متعبدة لما لم ينسخ من الشرائع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : هدى للناس المتقين ، كما قال في البقرة : هدى للمتقين ، قوله : وأنزل الفرقان أي : الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن ، وكرر ذكره تشريفا له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل ، وذكر التنزيل أولا والإنزال ثانيا لكونه جامعا بين الوصفين ، فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ثم نزل منها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفرقا منجما على حسب الحوادث كما سبق .
وقيل : أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله ، وقيل : أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة ، وقوله :
إن الذين كفروا بآيات الله أي : بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها ، أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها ، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر لهم بسبب هذا الكفر عذاب شديد أي عظيم والله عزيز لا يغالبه مغالب ذو انتقام عظيم ، والنقمة السطوة ، يقال انتقم منه : إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدم منه . قوله :
إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه وإحاطته بالمعلومات وعبر عن معلوماته بما في الأرض والسماء مع كونها أوسع من ذلك ، لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته وسائر معلوماته ، ومن جملة ما لا يخفى عليه إيمان من آمن من خلقه وكفر من كفر .
قوله :
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه ، فالصورة مائلة على بيان إحاطة علمه ، وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود ، وهو تصوير عباده في أرحام أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن وقبيح وأسود وأبيض وطويل وقصير . وكيف معمول يشاء والجملة حالية .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
جعفر بن محمد بن الزبير قال : (
قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد نجران ستون راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم
أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والسيد ، وهو الأيهم ، ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن
[ ص: 201 ] الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ) . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
الربيع ، فذكر وفد
نجران ومخاصمتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في
عيسى عليه السلام ، وأن الله أنزل الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
مجاهد في قوله : "
مصدقا لما بين يديه " قال : لما قبله من كتاب أو رسول . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
الحسن نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة نحوه ، وقال في قوله :
وأنزل الفرقان هو القرآن فرق بين الحق والباطل ، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وحد فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه : وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
محمد بن جعفر بن الزبير في قوله :
وأنزل الفرقان أي : الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر
عيسى وغيره ، وفي قوله :
إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام أي : إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها .
وفي قوله :
إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أي : قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في
عيسى إذ جعلوه ربا وإلها ، وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، قد كان
عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من بني
آدم ، فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل . وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قوله :
يصوركم في الأرحام كيف يشاء قال : ذكورا وإناثا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله :
يصوركم في الأرحام كيف يشاء قال : إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ، ثم تكون علقة أربعين يوما ، ثم تكون مضغة أربعين يوما ، فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكا يصورها ، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط منه المضغة ، ثم يعجنه بها ، ثم يصور كما يؤمر فيقول : أذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ وما رزقه ؟ وما عمره ؟ وما أثره ؟ وما مصائبه ؟ فيقول الله ويكتب الملك ، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة في قوله :
يصوركم في الأرحام كيف يشاء قال : من ذكر أو أنثى ، وأحمر وأسود ، وتام الخلق وغير تام الخلق .