فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم
قوله : فلما أحس أي علم ووجد : قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وقال
أبو عبيدة معنى أحس عرف ، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة ، والإحساس : العلم بالشيء . قال الله تعالى :
هل تحس منهم من أحد [ مريم : 98 ] . والمراد بالإحساس هنا الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة . وبالكفر إصرارهم عليه ، وقيل : سمع منهم كلمة الكفر . وقال
الفراء : أرادوا قتله . وعلى هذا فمعنى الآية : فلما أدرك منهم
عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال :
من أنصاري إلى الله . الأنصار جمع نصير .
وقوله : إلى الله ، متعلق بمحذوف وقع حالا ; أي : متوجها إلى الله وملتجئا إليه أو ذاهبا إليه وقيل : إلى بمعنى مع كقوله تعالى
ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [ النساء : 2 ] وقيل : المعنى : من أنصاري في السبيل إلى الله ، وقيل : المعنى : من يضم نصرته إلى نصرة الله . والحواريون جمع حواري ، وحواري الرجل : صفوته وخلاصته ، وهو مأخوذ من الحور وهو البياض عند أهل اللغة ، حورت الثياب بيضتها والحواري من الطعام : ما حور ; أي : بيض ، والحواري أيضا الناصر ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019771لكل نبي حواري وحواريي الزبير وهو في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره .
وقد اختلف في سبب
[ ص: 221 ] تسميتهم بذلك ، فقيل : لبياض ثيابهم ، وقيل : لخلوص نياتهم ، وقيل : لأنهم خاصة الأنبياء ، وكانوا اثني عشر رجلا ، ومعنى أنصار الله : أنصار دينه ورسله . وقوله : آمنا بالله استئناف جار مجرى العلة لما قبله ، فإن الإيمان يبعث على النصرة .
قوله :
واشهد بأنا مسلمون أي : اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا . ومعنى بما أنزلت ما أنزله الله سبحانه في كتبه .
والرسول
عيسى ، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم ; أي : اتبعناه في كل ما يأتي به فاكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية ولرسولك بالرسالة . أو اكتبنا مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم ، وقيل : مع أمة
محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قوله : ومكروا أي الذين أحس
عيسى منهم الكفر ، وهم كفار
بني إسرائيل . ومكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون .
قاله
الفراء وغيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : مكر الله مجازاتهم على مكرهم ، فسمي الجزاء باسم الابتداء كقوله تعالى :
الله يستهزئ بهم [ البقرة : 15 ] ،
وهو خادعهم [ النساء : 142 ] وأصل المكر في اللغة : الاغتيال والخدع : حكاه
ابن فارس ، وعلى هذا فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة ، وقيل : مكر الله هنا إلقاء شبه
عيسى على غيره ، ورفع
عيسى إليه
والله خير الماكرين أي : أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقواهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله به من حيث لا يحتسب .
قوله :
إذ قال الله ياعيسى العامل في إذ : مكروا ، أو قوله :
خير الماكرين أو فعل مضمر تقديره وقع ذلك . وقال
الفراء : إن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره
إني رافعك ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء .
وقال
أبو زيد : متوفيك قابضك . وقال في الكشاف : مستوفي أجلك ، ومعناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ، ومؤخر أجلك إلى أجل كتبته لك ، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم .
وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر ؛ لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة ، كما رجحه كثير من المفسرين ، واختاره ابن جرير
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزوله وقتله الدجال ، وقيل : إن الله سبحانه توفاه ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء ، وفيه ضعف ، وقيل : المراد بالوفاة هنا النوم ومثله
وهو الذي يتوفاكم بالليل [ الأنعام : 60 ] أي ينيمكم ، وبه قال كثيرون .
قوله :
ومطهرك من الذين كفروا أي من حيث جوازهم برفعه إلى السماء وبعده عنهم .
قوله :
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة أي الذين اتبعوا ما جئت به وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلو فيه إلى ما بلغ من جعله إلها ، ومنهم المسلمون ، فإنهم اتبعوا ما جاء به ،
عيسى عليه السلام ووصفوه بما يستحقه من دون غلو ، فلم يفرطوا في وصفه كما فرطت
اليهود ولا أفرطوا كما أفرطت
النصارى . وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم .
وقيل : المراد بالآية أن
النصارى الذين هم أتباع
عيسى لا يزالون ظاهرين على
اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم ، فيكون المراد بالذين كفروا هم
اليهود خاصة ، وقيل : هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين ، وقيل : هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر
بالمسيح ، وعلى كل حال فغلبة
النصارى لطائفة من الكفار أو لكل طوائف الكفار لا ينافي كونهم مقهورين مغلوبين بطوائف المسلمين كما تفيده الآيات الكثيرة ، بأن هذه الملة الإسلامية ظاهرة على كل الملل ، قاهرة لها مستعلية عليها . وقد أفردت هذه الآية بمؤلف سميته ( وابل الغمامة في تفسير
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) فمن رام استيفاء ما في المقام فليرجع إلى ذلك .
والفوقية هنا هي أعم من أن تكون بالسيف أو بالحجة . وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة
أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويحكم بين العباد بالشريعة المحمدية ، ويكون المسلمون أنصاره وأتباعه إذ ذاك ، فلا يبعد أن يكون في هذه الآية إشارة إلى هذه الحالة .
قوله :
ثم إلي مرجعكم أي رجوعكم ، وتقديم الظرف للقصر
فأحكم بينكم يومئذ
فيما كنتم فيه تختلفون من أمور الدين . وقوله :
فأما الذين كفروا إلى قوله :
والله لا يحب الظالمين تفسير للحكم .
قوله :
في الدنيا والآخرة متعلق بقوله : فأعذبهم ، أما تعذيبهم في الدنيا فبالقتل والسبي والجزية والصغار ، وأما في الآخرة فبعذاب النار .
قوله : " فنوفيهم أجورهم " أي : نعطيهم إياها كاملة موفرة ، قرئ بالتحتية وبالنون .
وقوله :
لا يحب الظالمين كناية عن بغضهم ، وهي جملة تذييلية مقررة لما قبلها . قوله : " ذلك " إشارة إلى ما سلف من نبأ
عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره ما بعده ، و " من الآيات " حال أو خبر بعد خبر .
والحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الذي لا خلل فيه . وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله :
فلما أحس عيسى منهم الكفر قال : كفروا وأرادوا قتله ، فذلك حين استنصر قومه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم كانوا صيادين . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
الضحاك قال : الحواريون قصارون مر بهم
عيسى فآمنوا به .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة قال : الحواريون هم الذين تصلح لهم الخلافة . وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : هم أصفياء الأنبياء . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
الضحاك مثله . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة قال : الحواري الوزير . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة قال : الحواري الناصر . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
فاكتبنا مع الشاهدين قال : مع
محمد وأمته أنهم شهدوا له أنه قد بلغ ، وشهدوا للرسل أنهم
[ ص: 222 ] قد بلغوا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر عن طريق
الكلبي عن
أبي صالح عنه قال :
مع الشاهدين مع أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : إن بني إسرائيل حصروا
عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت ، فقال
عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة ، فأخذها رجل منهم وصعد
عيسى إلى السماء فذلك قوله :
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إني متوفيك يقول : مميتك . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
الحسن قال : متوفيك من الأرض .
وأخرج الآخران عنه قال : وفاة المنام . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
قتادة قال : هذا من المقدم والمؤخر ; أي : رافعك إلي ومتوفيك .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق قال : متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
وهب قال : توفى الله
عيسى ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عنه قال : أماته ثلاثة أيام ثم بعثه ورفعه .
وأخرج
الحاكم عنه قال : توفى الله
عيسى سبع ساعات . وأخرج
ابن سعد وأحمد في الزهد
والحاكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : رفع
عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
وهب مثله . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
الحسن في قوله تعالى :
ومطهرك من الذين كفروا قال : طهره من
اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة في قوله :
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا قال : هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
الحسن نحوه أيضا . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019772لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يبالون بمن خالفهم حتى يأتي أمر الله . قال
النعمان : من قال : إني أقول على رسول الله ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله ، قال الله :
وجاعل الذين اتبعوك الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
معاوية مرفوعا نحوه ثم قرأ
معاوية الآية . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد قال :
النصارى فوق
اليهود إلى يوم القيامة ، وليس بلد فيه أحد من
النصارى إلا وهم فوق
اليهود في شرق ولا غرب ، هم في البلدان كلها مستذلون .