للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصله بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة .
وأفرد سبحانه ذكر
[ ص: 274 ] النساء بعد ذكر الرجال ، ولم يقل : للرجال والنساء نصيب ، للإيذان بأصالتهن في هذا الحكم ، ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء ، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص . وقوله :
مما قل منه أو كثر بدل من قوله :
مما ترك بإعادة الجر ، والضمير في قوله : منه راجع إلى المبدل منه .
وقوله : نصيبا منتصب على الحال أو على المصدرية أو على الاختصاص ، وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله تعالى ، وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض ، ثم أنزل قوله :
يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] فتبين ميراث كل فرد . قوله :
وإذا حضر القسمة أولو القربى المراد بالقرابة هنا غير الوارثين ، وكذا اليتامى والمساكين ، شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق ، فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها .
وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب . وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى
يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] والأول أرجح ؛ لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال : إنها منسوخة بآية المواريث ، إلا أن تقولوا : إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه .
وقالت طائفة : إن هذا
الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة ، وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة ، والضمير في قوله : منه راجع إلى المقسوم المدلول عليه بالقسمة ، وقيل : راجع إلى ما ترك . والقول المعروف : هو القول الجميل الذي ليس فيه من بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى .
قوله :
وليخش الذين لو تركوا هم الأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين ، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم ، وقالت طائفة : المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم ، وقال آخرون : إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته ، أمروا بتقوى الله ، وبأن يقولوا للمحتضر قولا سديدا من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم ، وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه ، وإلى ترك التبذير بماله وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس ، وقال
ابن عطية : الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر ، وذلك أن
الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط ، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين . قال
القرطبي : وهذا التفصيل صحيح .
قوله : لو تركوا صلة الموصول ، والفاء في قوله : فليتقوا لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمعنى : وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا - وذلك عند احتضارهم - خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ، ثم أمرهم بتقوى الله ، والقول السديد للمحتضرين ، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق . قوله :
إن الذين يأكلون أموال اليتامى استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء ، وانتصاب قوله : ظلما على المصدرية ; أي : أكل ظلم ، أو على الحالية ; أي : ظالمين لهم .
قوله :
إنما يأكلون في بطونهم نارا أي : ما يكون سببا للنار ، تعبيرا بالمسبب عن السبب ، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية . وقوله : وسيصلون قراءة
عاصم ،
وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله . وقرأ
أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى . وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها ، والصلى هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ، ومنه قول
الحارث بن عباد :
لم أكن من جناتها علم الل ه وإني لحرها اليوم صالي
والسعير : الجمر المشتعل .
وقد أخرج
أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات . ولا الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذا ميراثه كله ، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية ، فأرسل إليهما رسول الله فقال : لا تحركا من الميراث شيئا ، فإنه قد أنزل علي شيء احترت فيه إن للذكر والأنثى نصيبا ، ثم نزل بعد ذلك ويستفتونك في النساء [ النساء : 127 ] ، ثم نزل يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] فدعا بالميراث ، فأعطى المرأة الثمن ، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
عكرمة في الآية قال :
نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة أو أم كحة وثعلبة بن أوس وسويد وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله ، فقال عم ولدها : يا رسول الله لا يركب فرسا ولا ينكي عدوا ويكسب عليها ولا يكتسب ، فنزلت . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى
وإذا حضر القسمة قال : هي محكمة وليست بمنسوخة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
خطاب بن عبد الله في هذه الآية قال : قضى بها
أبو موسى . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد في الآية قال : هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة عن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري قالا : هي محكمة ما طابت به أنفسهم . وأخرج
أبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
[ ص: 275 ] يرضخ لهم فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو
قولا معروفا .
وأخرج
ابن المنذر عن
عائشة أنها لم تنسخ . وأخرج
أبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم أن هذه الآية منسوخة بآية الميراث .
وأخرج
أبو داود في ناسخه
وعبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : هي منسوخة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : إن كانوا كبارا يرضخوا ، وإن كانوا صغارا اعتذروا إليهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه في قوله :
وليخش الذين لو تركوا قال : هذا في الرجل يحضر الرجل عند موته فيسمعه يوصي وصية تضر بورثته ، فأمر الله الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيعة . وقد روي نحو هذا من طرق .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
أبي برزة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019868يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ، فقيل : يا رسول الله من هم ؟ قال : ألم تر أن الله يقول : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
حدثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة أسري به قال : نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار فيقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ولهم جؤار وصراخ ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال : هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم .