واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما
لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن وميراثهن مع الرجال ، ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ 7
[ ص: 280 ] لهن ترك التعفف واللاتي جمع التي بحسب المعنى دون اللفظ ، وفيه لغات : اللاتي بإثبات التاء والياء ، واللات بحذف الياء وإبقاء الكسرة لتدل عليها ، واللائي بالهمزة والياء ، والاء بكسر الهمزة وحذف الياء ، ويقال في جمع الجمع اللواتي واللوائي واللوات واللواء .
والفاحشة : الفعلة القبيحة ، وهي مصدر كالعافية والعاقبة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ( بالفاحشة ) . والمراد بها هنا الزنا خاصة ، وإتيانها فعلها ومباشرتها .
والمراد بقوله :
من نسائكم المسلمات ، وكذا منكم المراد به المسلمون . قوله :
فأمسكوهن في البيوت كان هذا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى
الزانية والزاني فاجلدوا ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد ، لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن .
قوله :
أو يجعل الله لهن سبيلا هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019883خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام الحديث . قوله :
واللذان يأتيانها منكم اللذان تثنية الذي ، وكان القياس أن يقال اللذيان كرحيان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة . وقال
أبو علي : حذفت الياء تخفيفا .
وقرأ
ابن كثير ( اللذان ) بتشديد النون وهي لغة
قريش ، وفيه لغة أخرى وهي ( اللذا ) بحذف النون ، وقرأ الباقون بتخفيف النون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها ; أي : الفاحشة منكم ، ودخلت الفاء في الجواب لأن في الكلام معنى الشرط .
والمراد باللذان هنا الزاني والزانية تغليبا ، وقيل : الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات ، والثانية في الرجال خاصة ، وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن ، فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى ، واختار هذا
النحاس ورواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ورواه
القرطبي عن
مجاهد وغيره واستحسنه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وقتادة وغيرهما : الآية الأولى في النساء المحصنات ويدخل معهن الرجال المحصنون ، والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين ، ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وضعفه
النحاس وقال : تغليب المؤنث على المذكر بعيد .
وقال
ابن عطية : إن معنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه ، وقيل : كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ثم جمعا في الإيذاء ، قال
قتادة : كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا . واختلف المفسرون في تفسير الأذى ، فقيل : التوبيخ والتعيير ، وقيل : السب والجفاء من دون تعيير ، وقيل : النيل باللسان والضرب بالنعال ، وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس ، وقيل : ليس بمنسوخ كما تقدم في الحبس .
قوله :
فإن تابا أي : من الفاحشة وأصلحا العمل فيما بعد
فأعرضوا عنهما أي : اتركوهما وكفوا عنهما الأذى ، وهذا كان قبل نزول الحدود على ما تقدم من الخلاف . قوله :
إنما التوبة على الله استئناف لبيان أن التوبة ليست بمقبولة على الإطلاق كما ينبئ عنه قوله :
توابا رحيما بل إنما تقبل من البعض دون البعض كما بينه النظم القرآني هاهنا ، فقوله :
إنما التوبة مبتدأ خبره قوله :
للذين يعملون السوء بجهالة .
وقوله :
على الله متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار ، أو متعلق بمحذوف وقع حالا عند من يجوز تقديم الحال التي هي ظرف على عاملها المعنوي ، وقيل المعنى : إنما التوبة على فضل الله ورحمته بعباده ، وقيل : المعنى : إنما التوبة واجبة على الله ، وهذا على مذهب
المعتزلة لأنهم يوجبون على الله عز وجل واجبات ، من جملتها قبول توبة التائبين ، وقيل : " على " هنا بمعنى عند ، وقيل : بمعنى من . وقد اتفقت الأمة على أن
التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى :
وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون وذهب الجمهور إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب خلافا
للمعتزلة ، وقيل : إن قوله :
على الله هو الخبر .
وقوله :
للذين يعملون متعلق بما تعلق به الخبر أو بمحذوف وقع حالا . والسوء هنا : العمل السيئ .
وقوله : بجهالة متعلق بمحذوف وقع صفة أو حالا ; أي : يعملونها متصفين بالجهالة أو جاهلين . وقد حكى
القرطبي عن
قتادة أنه قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا .
وحكي عن
الضحاك ومجاهد أن الجهالة هنا العمد وقال
عكرمة : أمور الدنيا كلها جهالة ، ومنه قوله تعالى :
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو [ محمد : 36 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : معناه بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية ، وقيل : معناه : أنهم لا يعلمون كنه العقوبة ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك وضعفه
ابن عطية . قوله :
ثم يتوبون من قريب معناه : قبل أن يحضرهم الموت كما يدل عليه قوله :
حتى إذا حضر أحدهم الموت وبه قال
أبو مجلز والضحاك وعكرمة وغيرهم ، والمراد قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه ، ومن في قوله :
من قريب للتبعيض ; أي : يتوبون بعض زمان قريب ، وهو ما عدا وقت حضور الموت ، وقيل : معناه قبل المرض ، وهو ضعيف ، بل باطل لما قدمنا ، ولما أخرجه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه والحاكم وصححه
والبيهقي في الشعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019792إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقيل : معناه : يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار .
قوله :
فأولئك يتوب الله عليهم هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم بعد بيانه أن التوبة لهم مقصورة عليهم . وقوله :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب ، قوله :
حتى إذا حضر أحدهم الموت حتى حرف ابتداء ، والجملة المذكورة بعدها غاية لما قبلها ، وحضور الموت حضور علاماته وبلوغ المريض إلى حالة السياق ومصيره مغلوبا على نفسه مشغولا بخروجها من بدنه ، وهو وقت الغرغرة المذكورة في
[ ص: 281 ] الحديث السابق ، وهي بلوغ روحه حلقومه ، قاله
الهروي .
وقوله :
قال إني تبت الآن أي : وقت حضور الموت . قوله :
ولا الذين يموتون وهم كفار معطوف على الموصول في قوله :
للذين يعملون السيئات أي : ليست التوبة لأولئك ، ولا للذين يموتون وهم كفار مع أنه لا توبة لهم رأسا ، وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت ، وأن وجودها كعدمها .
وقد أخرج
البزار وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
واللاتي يأتين الفاحشة قال :
كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت ، فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت ، حتى نزلت الآية في سورة النور
الزانية والزاني فاجلدوا [ النور : 2 ] فجعل الله لهن سبيلا . فمن عمل شيئا جلد وأرسل ، وقد روي هذا عنه من وجوه .
وأخرج
أبو داود في سننه عنه
والبيهقي في قوله :
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله :
سبيلا ثم جمعهما جميعا ، فقال :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ثم نسخ ذلك بآية الجلد ، وقد قال بالنسخ جماعة من التابعين ، أخرجه
أبو داود والبيهقي عن
مجاهد وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
قتادة ، وأخرجه
البيهقي في سننه عن
الحسن ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=1019884في قوله : واللذان يأتيانها منكم قال : كان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير وضرب بالنعال ، فأنزل الله بعد هذه الآية الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد واللذان يأتيانها منكم قال : الرجلان الفاعلان . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير واللذان يأتيانها منكم يعني البكرين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
عطاء قال : الرجل والمرأة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
أبي العالية في قوله :
إنما التوبة على الله الآية قال : هذه للمؤمنين ، وفي قوله :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات قال : هذه لأهل النفاق
ولا الذين يموتون وهم كفار قال : هذه لأهل الشرك .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
الربيع مثله . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة قال : اجتمع أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة عمدا كان أو غيره .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
أبي العالية أن أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إنما التوبة على الله الآية ، قال : من عمل السوء فهو جاهل ، من جهالته عمل السوء
ثم يتوبون من قريب قال : في الحياة والصحة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عنه قال : القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير والبيهقي في الشعب عن
الضحاك قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذلك .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
الحسن قال : القريب : ما لم يغرغر . وقد وردت أحاديث كثيرة في
قبول توبة العبد ما لم يغرغر ، ذكرها
ابن كثير في تفسيره ، ومنها الحديث الذي قدمنا ذكره .