وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا
قد تقدم معنى الشقاق في البقرة ، وأصله أن كل واحد منهم يأخذ شقا غير شق صاحبه ; أي : ناحية غير ناحيته ، وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى :
بل مكر الليل والنهار [ سبأ : 33 ] وقوله : يا سارق الليلة أهل الدار . والخطاب للأمراء والحكام ، والضمير في قوله : بينهما للزوجين ; لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما ، وهو ذكر الرجال والنساء فابعثوا إلى الزوجين حكما يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين ; لأنهما أقعد بمعرفة أحوالهما ، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم ، وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسيء منهما ، فأما إذا عرف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه ، وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما ، فإن قدرا على ذلك عملا عليه ، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين . وبه قال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وإسحاق ، وهو مروي عن
عثمان وعلي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وحكاه
ابن كثير عن الجمهور ، قالوا : لأن الله قال :
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وهذا نص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان . وقال الكوفيون
وعطاء وابن زيد والحسن وهو
[ ص: 297 ] أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن
التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم ; لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق ، ويرشد إلى هذا قوله : إن يريدا أي الحكمان إصلاحا بين الزوجين
يوفق الله بينهما لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق . ومعنى :
إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أي : يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة .
ومعنى الإرادة :
خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين ، وقيل : إن الضمير في قوله :
يوفق الله بينهما للحكمين كما في قوله :
إن يريدا إصلاحا أي :
يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما ، وقيل : كلا الضميرين للزوجين ; أي : إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق ، وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ، ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف . وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وإن خفتم شقاق بينهما قال : هذا
الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا امرأته عنه وقسروه على النفقة ، وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة ، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز ، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ذلك ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي
إن يريدا إصلاحا قال : هما الحكمان
يوفق الله بينهما وكذلك كل مصلح يوفقه للحق والصواب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ،
وعبد الرزاق في المصنف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني في هذه الآية قال : جاء رجل وامرأة إلى
علي ومعهما فئام من الناس فأمرهم
علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا ، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا ، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الرجل : أما الفرقة فلا ، فقال : كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : بعثت أنا
ومعاوية حكمين ، فقيل لنا : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، والذي بعثهما
عثمان .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي عن
الحسن قال : إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه ، فأما الفرقة فليست بأيديهما . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة نحوه . وأخرج
البيهقي عن
علي قال : إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا .