ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا
قرأ
أبو جعفر بتخفيف الياء من ( أماني ) في الموضعين ، واسم ليس محذوف ؛ أي : ليس دخول الجنة أو الفضل أو القرب من الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي ، وقيل : ضمير يعود إلى وعد الله ، وهو بعيد ، ومن أماني أهل الكتاب قولهم :
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [ البقرة : 111 ] وقولهم :
نحن أبناء الله وأحباؤه [ المائدة : 18 ] وقولهم :
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة [ البقرة : 80 ] .
قوله :
من يعمل سوءا يجز به قيل : المراد بالسوء الشرك ، وظاهر الآية أعم من ذلك ، فكل من عمل سوءا أي سوء كان فهو مجزي به من غير فرق بين المسلم والكافر ، وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد ، وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح
مسلم وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019981لما نزلت [ ص: 332 ] من يعمل سوءا يجز به بلغت من المسلمين مبلغا شديدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قاربوا وسددوا ، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها .
قوله : ( ولا يجد ) له قرأه الجماعة بالجزم عطفا على الجزاء ، وروى
ابن بكار عن
ابن عامر ( ولا يجد ) بالرفع استئنافا ؛ أي : ليس لمن يعمل السوء من دون الله وليا يواليه ولا نصيرا ينصره
ومن يعمل من الصالحات أي : بعضها حال كونه من ذكر أو أنثى وحال كونه مؤمنا ، والحال الأولى لبيان من يعمل ، والحال الأخرى لإفادة اشتراط الإيمان في كل عمل صالح ، فأولئك إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان
يدخلون الجنة قرأ
أبو عمرو ،
وابن كثير ( يدخلون ) بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول ، وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم (
ولا يظلمون نقيرا ) أي : لا ينقصون شيئا حقيرا ، وقد تقدم تفسير النقير
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله أي : أخلص نفسه له حال كونه محسنا ؛ أي : عاملا للحسنات (
واتبع ملة إبراهيم ) أي : دينه حال كون المتبع حنيفا أي : مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو الإسلام
واتخذ الله إبراهيم خليلا أي : جعله صفوة له وخصه بكراماته ، قال
ثعلب : إنما سمي الخليل خليلا ؛ لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خليلا إلا ملأته ، وأنشد قول
بشار :
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم ، وقيل : هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب ، وقد كان
إبراهيم عليه السلام محبوبا لله ومحبا له ، وقيل : الخليل من الاختصاص ، فالله سبحانه اختص
إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها ، واختار هذا
النحاس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل .
ولله ما في السماوات وما في الأرض فيه إشارة إلى أنه سبحانه اتخذ
إبراهيم خليلا لطاعته لا لحاجته ولا للتكثر به والاعتضاد بمخاللته
وكان الله بكل شيء محيطا هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها ؛ أي : أحاط علمه بكل شيء
لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [ الكهف : 49 ]
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
مجاهد قال : قالت العرب : لا نبعث ولا نحاسب ، وقالت
اليهود والنصارى :
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [ البقرة : 11 ] وقالوا :
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة [ البقرة : 80 ] فأنزل الله
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ، عن
مسروق قال : احتج المسلمون وأهل الكتاب ، فقال المسلمون : نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ، فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
مسروق قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم فنزلت ، وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطولة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما نزلت هذه الآية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019982أما أنت وأصحابك يا أبا بكر فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم وغيرهما ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019983ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة . وأخرج
ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية (
ومن يعمل من الصالحات ) قال : الفرائض .
وأخرج
الحاكم وصححه ، عن
جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول قبل أن يتوفى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019984إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وأخرج
الحاكم أيضا وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الخلة
لإبراهيم والكلام
لموسى والرؤية
لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟