وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما
( امرأة ) مرفوعة بفعل مقدر يفسره ما بعده ؛ أي : وإن خافت امرأة ، وخافت بمعنى : توقعت ما تخاف من زوجها وقيل : معناه تيقنت وهو خطأ ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى
وإن امرأة خافت من بعلها دوام النشوز ، قال
النحاس :
الفرق بين النشوز والإعراض : أن النشوز التباعد ، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها ، وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أي نشوز أو أي إعراض ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي سيأتي ، وظاهرها أنه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه ، إما بإسقاط النوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر .
قوله : ( أن يصالحا ) هكذا قرأه الجمهور ، وقرأ
الكوفيون أن يصلحا وقراءة الجمهور أولى ؛ لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين اثنين فصاعدا قيل : تصالح الرجلان أو القوم ، لا أصلح ، وقوله : ( صلحا ) منصوب على أنه اسم مصدر أو على أنه مصدر محذوف الزوائد ، أو منصوب بفعل محذوف ؛ أي : فيصلح حالهما صلحا ، وقيل : هو منصوب على المفعولية .
وقوله : ( بينهما ) ظرف للفعل أو في محل نصب على الحال ، قوله :
والصلح خير لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق أو خير من الفرقة أو من الخصومة ، وهذه الجملة اعتراضية ،
قوله :
وأحضرت الأنفس الشح إخبار منه سبحانه بأن الشح في كل واحد منهما بل في كل الأنفس الإنسانية كائن ، وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة فالرجل يشح بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة وحسن النفقة ونحوها ، والمرأة تشح على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج فلا تترك له شيئا منها ، وشح الأنفس : بخلها بما يلزمها أو يحسن فعله بوجه من الوجوه ، ومنه
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [ الحشر : 9 ] .
قوله :
وإن تحسنوا وتتقوا أي : تحسنوا عشرة النساء وتتقوا ما لا يجوز من
النشوز والإعراض بين الزوجين فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم يا معشر الأزواج بما تستحقونه ، قوله :
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه ألبتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه ، وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه ، وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية ، ولهذا كان يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019985اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ولما كانوا لا يستطيعون ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم عز وجل عن أن يميلوا كل الميل ؛ لأن ترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم وداخل تحت طاقتهم ، فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهن إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمعلقة التي ليست ذات زوج ولا
[ ص: 334 ] مطلقة تشبيها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء ، وفي قراءة
أبي ( فتذروها كالمسجونة ) .
قوله : (
وإن تصلحوا ) أي : ما أفسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم فيها من
عشرة النساء والعدل بينهن وتتقوا كل الميل الذي نهيتم عنه
فإن الله كان غفورا رحيما لا يؤاخذكم بما فرط منكم ، قوله : ( وإن يتفرقا ) أي : لم يتصالحا بل فارق كل واحد منهما صاحبه (
يغن الله كلا ) منهما ؛ أي : يجعله مستغنيا عن الآخر بأن يهيئ للرجل امرأة توافقه وتقر بها عينه ، وللمرأة رجلا تغتبط بصحبته ويرزقهما من سعته رزقا يغنيهما به عن الحاجة
وكان الله واسعا حكيما واسع الفضل ؛ صادرة أفعاله على جهة الإحكام والإتقان .
وقد أخرج
الترمذي وحسنه
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
والبيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019986خشيت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ، ففعل ونزلت هذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وأخرج
أبو داود ،
والحاكم وصححه
والبيهقي ، عن
عائشة أن سبب نزول الآية هو قصة
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة المذكورة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره عنها في الآية قالت : الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول : أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
والبيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن ابنة
nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة كانت عند
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، فكره منها أمرا ، إما كبرا أو غيره ، فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا ، وجرت السنة بذلك ونزل القرآن
وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وابن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
والبيهقي ، عن
علي أنه سئل عن هذه الآية فقال : هو رجل عنده امرأتان ، فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها ، فتصالحه على أن يكون عندها ليلة ، وعند الأخرى ليالي ولا يفارقها ، فما طابت به نفسها فلا بأس به ، فإن رجعت سوي بينهما .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة نحو هذا ، وثبت في الصحيحين من حديث
عائشة قالت : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019987لما كبرت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لها بيوم nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ) وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والبيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وأحضرت الأنفس الشح قال : هواه في الشيء يحرص عليه ، وفي قوله :
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء قال : في الحب والجماع ، وفي قوله :
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة قال : لا هي أيمة ولا ذات زوج .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وأحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
وابن المنذر ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019988كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك وإسناده صحيح . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد وأهل السنن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019989من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط .
قال
الترمذي : إنما أسنده
همام . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي ، عن
قتادة قال : كان يقال ، ولا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث
همام . وأخرج
ابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قوله :
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء قال : الجماع . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، عن
الحسن قال : الحب .