يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون
الطيبات : هي المستلذات مما أحله الله لعباده ، نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها ، إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقربا إليه ، وأنه من الزهد في الدنيا لرفع النفس عن شهواتها ، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم : حرام علي وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري :
لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح ، ولذلك رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التبتل على
nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون .
فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده ، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه ، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنه لأمته ، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون ، إذ كان خير الهدي هدي نبينا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله ، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء .
قال : فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذي قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة . فقد ظن خطأ ، وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها ، ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الردية; لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببا إلى طاعته .
قوله :
ولا تعتدوا أي : لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم ، أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم; أي : تترخصوا فتحللوا حراما كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال . وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة .
وقال
أبو حنيفة وأحمد ومن تابعهما : إن من حرم شيئا صار محرما عليه ، وإذا تناوله لزمته الكفارة ، وهو خلاف ما في هذه الآية وخلاف ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، ولعله يأتي في سورة التحريم ما هو أبسط من هذا إن شاء الله . وقوله :
إن الله لا يحب المعتدين تعليل لما قبله ، وظاهره أن تحريم كل اعتداء; أي : مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور .
وكلوا مما رزقكم الله حال كونه حلالا طيبا أي : غير محرم ولا مستقذر ، أو أكلا حلالا طيبا ، أو كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله ، ثم وصاهم الله سبحانه بالتقوى فقال :
واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون . وقد أخرج
الترمذي وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي في الكامل
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020081يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوة ، وإني حرمت علي اللحم ، فنزلت : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقد روي من وجه آخر مرسلا ، وروي موقوفا على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال :
نزلت في رهط من الصحابة قالوا : نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء ، فمن أخذ بسنتي فهو مني ، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني . وقد ثبت نحو هذا في الصحيحين وغيرهما من دون ذكر أن ذلك سبب نزول الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
أبي مالك أن هؤلاء الرهط : هم
nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون وأصحابه ، وفي الباب روايات كثيرة بهذا المعنى ، وكثير منها مصرح بأن ذلك سبب نزول الآية . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم أن nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم رجع إلى أهله ، فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له ، فقال لامرأته : حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي ، فقالت امرأته : هو حرام علي فقال الضيف : هو حرام علي ، فلما رأى ذلك وضع يده وقال : كلوا بسم الله ، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قد أصبت فأنزل الله : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وهذا أثر منقطع ، ولكن في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قصة الصديق مع أضيافه ما هو شبيه بهذا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
مسروق قال : كنا عند
عبد الله فجيء بضرع ، فتنحى رجل ، فقال له
عبد الله : ادن ، فقال : إني حرمت أن آكله ، فقال عبد الله : ادن فاطعم وكفر عن يمينك ، وتلا هذه الآية . وأخرجه أيضا الحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .