[ ص: 391 ] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون
قد تقدم تفسير اللغو ، والخلاف فيه ، في سورة البقرة ، و
في أيمانكم صلة يؤاخذكم ، قيل : و " في " بمعنى من والأيمان جمع يمين . وفي الآية دليل على أن
أيمان اللغو لا يؤاخذ الله الحالف بها ولا تجب بها الكفارة . وقد ذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها قول الرجل : لا والله وبلى والله في كلامه غير معتقد لليمين ، وبه فسر الصحابة الآية وهم أعرف بمعاني القرآن . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة .
قوله :
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قرئ بتشديد
عقدتم وبتخفيفه ، وقرئ ( عاقدتم ) . والعقد على ضربين : حسي كعقد الحبل ، وحكمي كعقد البيع ، واليمين والعهد . قال الشاعر :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
فاليمين المعقدة من عقد القلب ليفعلن أو لا يفعلن في المستقبل ; أي : ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها . وأما اليمين الغموس : فهي يمين مكر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها ، وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب معقودة بخبر مقرونة باسم الله ، والراجح الأول وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة ولا يدل شيء منها على الغموس ، بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب ، وإنها من الكبائر ، بل من أكبر الكبائر ، وفيها نزل قوله تعالى :
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ آل عمران : 77 ] الآية .
قوله :
فكفارته الكفارة : هي مأخوذة من التكفير وهو التستير ، وكذلك الكفر هو الستر ، والكافر هو الساتر; لأنها تستر الذنب وتغطيه ، والضمير في كفارته راجع إلى " ما " في قوله :
بما عقدتم .
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير ، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع; أي : أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه ، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه ، وظاهره أنه يجزئ إطعام عشرة حتى يشبعوا . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أنه قال : لا يجزئ إطعام العشرة غداء دون عشاء حتى يغديهم ويعشيهم . قال
أبو عمر : هو قول أئمة الفتوى بالأمصار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين : يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا وسمنا أو خبزا ولحما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وعائشة ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران وأبو مالك والضحاك والحكم ومكحول وأبو قلابة ومقاتل : يدفع إلى كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر . وروي ذلك عن
علي . وقال
أبو حنيفة نصف صاع بر وصاع مما عداه . وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020084كفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصاع من تمر وكفر الناس به ، ومن لم يجد فنصف صاع من بر ، وفي إسناده
عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي وهو مجمع على ضعفه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : متروك .
قوله :
أو كسوتهم عطف على إطعام . قرئ بضم الكاف وكسرها وهما لغتان مثل أسوة وإسوة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني أو كأسوتهم : يعني كأسوة أهليكم والكسوة في الرجال تصدق على ما يكسو البدن ولو كان ثوبا واحدا ، وهكذا في كسوة النساء ، وقيل : الكسوة للنساء درع وخمار ، وقيل : المراد بالكسوة ما تجزئ به الصلاة . قوله :
أو تحرير رقبة أي : إعتاق مملوك ، والتحرير : الإخراج من الرق ، ويستعمل التحرير في فك الأسير وإعفاء المجهود بعمل عن عمله وترك إنزال الضرر به ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال
أي : حررتكم من الهجاء الذي كان سيضع منكم ويضر بأحسابكم .
ولأهل العلم أبحاث في
الرقبة التي تجزئ في الكفارة ، وظاهر هذه الآية أنها تجزئ كل رقبة على أي صفة كانت . وذهب جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى اشتراط الإيمان فيها قياسا على كفارة القتل
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام أي فمن لم يجد شيئا من الأمور المذكورة فكفارته صيام ثلاثة أيام ، وقرئ متتابعات حكي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وأبي ، فتكون هذه القراءة مقيدة لمطلق الصوم . وبه قال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قوله الآخر : يجزئ التفريق
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ، ثم أمرهم بحفظ الأيمان وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث بها ، والإشارة بقوله : " كذلك " إلى مصدر الفعل المذكور بعده ، أي : مثل ذلك البيان يبين الله لكم وقد تكرر هذا في مواضع من الكتاب العزيز
لعلكم تشكرون ما أنعم به عليكم من بيان شرائعه وإيضاح أحكامه .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : لما نزلت :
ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم في القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ فأنزل الله :
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في اللغو قال : هو الرجل يحلف على الحلال .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
مجاهد قال : هما الرجلان يتبايعان ، يقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله لا أشتريه بكذا . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وأبو الشيخ عن
النخعي قال : اللغو أن يصل كلامه بالحلف : والله لتأكلن ، والله لتشربن ، ونحو هذا لا يريد به يمينا ولا يتعمد حلفا ، فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة ، وقد تقدم الكلام في
[ ص: 392 ] البقرة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : بما تعبدتم . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وأبو الشيخ عن
قتادة نحوه .
وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020085أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقيم كفارة اليمين مدا من حنطة ، وفي إسناده
النضر بن زرارة بن عبد الكريم الذهلي الكوفي . قال
أبو حاتم : مجهول ، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات . وقد تقدم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وتضعيفه . وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر قالت : كنا نعطي في كفارة اليمين بالمد الذي نقتات به .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : إني أحلف لا أعطي أقواما ، ثم يبدو لي فأعطيهم ، فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من قمح . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قال : في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مثله . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق قال : في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين . وأخرج هؤلاء إلا
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت مثله . وأخرج هؤلاء أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مثله . وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مثله . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قال : تغديهم وتعشيهم إن شئت خبزا ولحما أو خبزا وزيتا أو خبزا وسمنا أو خبزا وتمرا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من عسركم ويسركم . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عنه قال : الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة ، فنزلت :
من أوسط ما تطعمون أهليكم . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه نحو ذلك . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن مردويه عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في قوله : أو كسوتهم قال : عباءة لكل مسكين ، قال
ابن كثير : حديث غريب . وأخرج
ابن مردويه عن
حذيفة قال : قلت يا رسول الله أو كسوتهم ما هو ؟ قال : عباءة عباءة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : عباءة لكل مسكين أو شملة . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : الكسوة ثوب أو إزار . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : في كفارة اليمين هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات . وأخرج
ابن مردويه عنه نحوه .