فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير قوله : وكذب به قومك الضمير راجع إلى القرآن أو إلى العذاب .

وقومه المكذبون : هم قريش ، وقيل : كل معاند ، وجملة وهو الحق في محل نصب على الحال : أي كذبوا بالقرآن أو العذاب ، والحال أنه حق .

وقرأ ابن أبي عبلة " وكذبت " بالتاء قل لست عليكم بوكيل أي لست بحفيظ على أعمالكم حتى أجازيكم عليها .

قيل : وهذه الآية منسوخة بآية القتال ، وقيل : ليست بمنسوخة إذ لم يكن إيمانهم في وسعه .

قوله : لكل نبإ مستقر أي لكل شيء وقت يقع فيه .

والنبأ : الشيء الذي ينبأ عنه ، وقيل : المعنى : لكل عمل جزاء .

قال الزجاج : يجوز أن يكون وعيدا لهم بما ينزل بهم في الدنيا ، وقال الحسن : هذا وعيد من الله للكفار ، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث وسوف تعلمون ذلك بحصوله ونزوله بهم كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتوعدهم به .

قوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو لكل من يصلح له .

والخوض : أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء ، فاستعير من المحسوس للمعقول ، وقيل : هو مأخوذ من الخلط ، وكل شيء خضته فقد خلطته ، ومنه خاض الماء بالعسل : خلطه .

والمعنى : إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له ، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك .

وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة ، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير .

وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر .

وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ [ ص: 427 ] القدم في علم الكتاب والسنة ، فإنه ربما يتفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر .

قوله : وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى إما هذه هي الشرطية وتلزمها غالبا نون التأكيد ولا تلزمها نادرا ومنه قول الشاعر :


إما يصبك عدو في منازله يوما فقل كيف يستعلي وينتصر

وقرأ ابن عباس ، ( ينسيك ) بتشديد السين ، ومثله قول الشاعر :


وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل

والمعنى : إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت مع القوم الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها .

قيل : وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فالمراد التعريض لأمته لتنزهه عن أن ينسيه الشيطان ، وقيل : لا وجه لهذا فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ونحو ذلك .

قوله : وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء .

وقيل : المعنى : ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء : وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب .

قيل : وهذا الترخيص كان في أول الإسلام ، وكان الوقت وقت تقية ، ثم نزل قوله تعالى : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره فنسخ ذلك .

قوله : ولكن ذكرى لعلهم ، ذكرى في موضع نصب على المصدر ، أو رفع على أنها مبتدأ ، وخبرها محذوف : أي ولكن عليهم ذكرى .

وقال الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى .

والمعنى على الاستدراك من النفي السابق : أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز .

أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وأما على التفسير الثاني فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير لعلهم يتقون الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم .

وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدا .

قوله : وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذي كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه لعبا ولهوا ولا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت وإن كنت مأمورا بإبلاغهم الحجة .

وقيل : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وقيل : المعنى : أنهم اتخذوا دينهم الذي هم عليه لعبا ولهوا كما في فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها ، وقيل : المراد بالدين هنا العيد : أي اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا ، وجملة وغرتهم الحياة الدنيا معطوفة على اتخذوا أي غرتهم حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين .

قوله : وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت الضمير في " به " للقرآن أو للحساب .

والإبسال : تسليم المرء نفسه للهلاك ، ومنه أبسلت ولدي : أي رهنته في الدم ، لأن عاقبة ذلك الهلاك .

قال النابغة :


ونحن رهنا بالأفاقة عامرا     بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا

أي فهلك ، والدرداء : كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم ، فالمعنى : وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت : أي ترتهن وتسلم للهلكة ، وأصل الإبسال : المنع ، ومنه شجاع باسل : أي : ممتنع من قرنه .

قوله : وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها العدل هنا : الفدية .

والمعنى : وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك ، وفاعل يؤخذ ضمير يرجع إلى العدل ، لأنه بمعنى المفدى به كما في قوله : ولا يؤخذ منها عدل [ سورة البقرة : 48 ] وقيل : فاعله منها ، لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل ، وكل عدل منصوب على المصدر : أي عدلا كل عدل ، والإشارة بقوله : أولئك إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا ، وخبره ( الذين أبسلوا بما كسبوا ) أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا ، و لهم شراب من حميم جواب سؤال مقدر كأنه قيل : كيف حال هؤلاء ؟ فقيل : لهم شراب من حميم ، وهو الماء الحار ، ومثله قوله تعالى : يصب من فوق رءوسهم الحميم [ الحج : 19 ] وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم .

قوله : قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا أمره الله سبحانه بأن يقول لهم : هذه المقالة ، والاستفهام للتوبيخ : أي كيف ندعو من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعا ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه ، ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة ونرد على أعقابنا عطف على ندعو .

والأعقاب ، جمع عقب : أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها .

قال أبو عبيدة : يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه .

وقال المبرد : نعقب بالشر بعد الخير ، وأصله من المعاقبة والعقبى ، وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه ، ومنه والعاقبة للمتقين [ القصص : 83 ] ، ومنه عقب الرجل ، ومنه العقوبة ، لأنها تالية للذنب .

قوله : كالذي استهوته الشياطين في الأرض هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه .

وقال الزجاج : هو من هوى النفس ، أي زين له الشيطان هواه ، و استهوته الشياطين هوت به ، والكاف في " كالذي " إما نعت مصدر محذوف : أي نرد على أعقابنا ردا كالذي ، أو في محل نصب على الحال من فاعل نرد : أي [ ص: 428 ] نرد حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين : أي ذهبت به مردة الجن بعد أن كان بين الإنس .

قرأ الجمهور استهوته وقرأ حمزة " استهواه " على تذكير الجمع .

وقرأ ابن مسعود والحسن " استهواه الشيطان " وهو كذلك في قراءة أبي ، و حيران حال : أي حال كونه متحيرا تائها لا يدري كيف يصنع ؟ والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة ، وقد حار حيرة وحيرورة : إذا تردد ، وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا .

قوله : له أصحاب يدعونه إلى الهدى صفة لحيران أو حالية : أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم .

قوله : قل إن هدى الله هو الهدى أمره الله سبحانه بأن يقول لهم : إن هدى الله أي دينه الذي ارتضاه لعباده هو الهدى وما عداه باطل ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ آل عمران 85 ] وأمرنا معطوف على الجملة الاسمية : أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله ، واللام في لنسلم هي لام العلة ، والمعلل هو الأمر : أي أمرنا لأجل نسلم لرب العالمين .

وقال الفراء : المعنى أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب ، وبأن تذهب بمعنى .

وقال النحاس : سمعت ابن كيسان يقول : هي لام الخفض .

قوله : وأن أقيموا الصلاة واتقوه معطوف على " لنسلم " على معنى وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا ، ويجوز أن يكون عطفا على يدعونه على المعنى : أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا .

وهو الذي إليه تحشرون فكيف تخالفون أمره .

وهو الذي خلق السماوات والأرض خلقا بالحق أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة .

قوله : ويوم يقول كن فيكون قوله الحق أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون ، وقيل : هو عطف على الهاء في واتقوه وقيل : إن يوم ظرف لمضمون جملة قوله الحق والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء ، الحق : أي المشهود له بأنه حق ، وقيل : قوله مبتدأ ، والحق صفة له ويوم يقول كن فيكون خبره مقدما عليه ، والمعنى : قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون ، وقيل : إن قوله مرتفع بيكون ، والحق صفته : أي يوم يقول كن يكون قوله الحق .

وقرأ ابن عامر " فنكون " بالنون ، وهو إشارة إلى سرعة الحساب .

وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب .

قوله : وله الملك يوم ينفخ في الصور الظرف منصوب بما قبله : أي له الملك في هذا اليوم ، وقيل : هو بدل من اليوم الأول ، والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء ، والثانية للإنشاء ، وكذا قال الجوهري : إن الصور القرن ، قال الراجز :


لقد نطحناهم غداة الجمعين     نطحا شديدا لا كنطح الصورين

والصور بضم الصاد وبكسرها لغة ، وحكي عن عمرو بن عبيد أنه قرأ " يوم ينفخ في الصور " بتحريك الواو ، جمع صورة ، والمراد : الخلق .

قال أبو عبيدة : وهذا وإن كان محتملا يرد بما في الكتاب والسنة .

وقال الفراء : كن فيكون ، يقال إنه للصور خاصة : أي ويوم يقول للصور كن فيكون .

قوله : عالم الغيب والشهادة رفع عالم على أنه صفة للذي خلق السماوات والأرض ، ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدأ : أي هو عالم الغيب والشهادة ، وروي عن بعضهم أنه قرأ ينفخ بالبناء للفاعل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل عالم الغيب ويجوز أن يرتفع بفعل مقدر كما أنشد سيبويه :


لبيك يزيد ضارع لخصومة     ومختبط مما تطيح الطوائح

أي يبكيه مختبط .

وقرأ الحسن والأعمش " عالم " بالخفض على البدل من الهاء في له الملك ، وهو الحكيم في جميع ما يصدر عنه الخبير بكل شيء .

وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله : وكذب به قومك يقول : كذبت قريش بالقرآن وهو الحق وأما الوكيل فالحفيظ ، وأما لكل نبإ مستقر فكان نبأ القوم استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب .

وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس ، في قوله : وما أنا عليكم بوكيل قال : نسخ هذه الآية آية السيف فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : 5 ] .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، : لكل نبإ مستقر يقول : حقيقة .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن أنه قال في قوله : لكل نبإ مستقر قال : حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها .

وأخرج ابن جرير ، من طريق العوفي عن ابن عباس ، في قوله : لكل نبإ مستقر قال : فعل وحقيقة ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ونحو هذا في القرآن قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا قال : يستهزئون بها ، نهى محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقعد معهم إلا أن ينسى ، فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله : فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن سيرين أنه كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن محمد بن علي قال : إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله .

وأخرج أبو الشيخ ، عن مقاتل قال : كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خاضوا واستهزءوا ، فقال المسلمون : لا تصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم ، فأنزل الله [ ص: 429 ] هذه الآية .

وأخرج أبو الشيخ ، أيضا عن السدي ، أنه قال : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف .

وأخرج النحاس عن ابن عباس ، في قوله : وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء قال : نسخت هذه الآية المكية بالآية المدنية ، وهي قوله : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها [ النساء : 140 ] الآية .

وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد : وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء إن قعدوا ولكن لا يقعدوا .

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن هشام بن عروة عن عمر بن عبد العزيز أنه أتي بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال : لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا قال : هو مثل قوله : ذرني ومن خلقت وحيدا [ المدثر : 11 ] يعني أنه للتهديد .

وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه عن قتادة ، في هذه الآية قال : نسختها آية السيف .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه في قوله : لعبا ولهوا قال : أكلا وشربا .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : أن تبسل قال : أن تفضح ، وفي قوله : أبسلوا قال : فضحوا .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه في قوله : أبسلوا بما كسبوا قال : أسلموا بجرائرهم .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضا في قوله : قل أندعو من دون الله قال : هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله .

وقوله : كالذي استهوته الشياطين في الأرض يقول : أضلته ، وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضا في قوله : كالذي استهوته الشياطين قال : هو الرجل لا يستجيب لهدي الله ، وهو الرجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه ، و له أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس يقول : إن الهدى هدى الله والضلالة ما تدعو إليه الجن .

وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد ، وأبو داود والترمذي ، وحسنه والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال : سئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الصور : فقال : قرن ينفخ فيه والأحاديث الواردة في كيفية النفخ ثابتة في كتب الحديث لا حاجة لنا إلى إيرادها هاهنا .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : عالم الغيب والشهادة يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية