سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون
أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة ، وهم كفار
قريش أو جميع المشركين ، يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم ولا حرموا شيئا من الأنعام كالبحيرة ونحوها ، وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التي ألزمهم بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن ما فعلوه حق ، ولو لم يكن حقا لأرسل الله إلى آبائهم الذين ماتوا على الشرك ، وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلا يأمرونهم بترك الشرك وبترك التحريم لما لم يحرمه الله ، والتحليل لما لم يحلله
كذلك كذب الذين من قبلهم أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله
حتى ذاقوا بأسنا أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذي أنزلناه بهم ، ثم أمره الله أن يقول لهم :
هل عندكم من علم فتخرجوه لنا أي هل عندكم دليل صحيح يعد من العلم النافع فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره ، والمقصود من هذا التبكيت لهم ، لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ، ويقوم به البرهان ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم ، وأنهم إنما يتبعون الظنون : أي ما يتبعون إلا الظن الذي هو محل الخطأ ومكان الجهل
وإن أنتم إلا تخرصون أي تتوهمون مجرد توهم فقط كما يتوهم الخارص ، وقد سبق تحقيقه .
ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس : أي التي تنقطع عندها معاذيرهم ، وتبطل شبههم ، وظنونهم وتوهماتهم .
والمراد بها الكتب المنزلة ، والرسل المرسلة ، وما جاءوا به من المعجزات
فلو شاء هدايتكم جميعا
لهداكم أجمعين ولكنه لم يشأ ذلك ، ومثله قوله تعالى :
ولو شاء الله ما أشركوا ( الأنعام : 107 )
ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( الأنعام : 111 ) ومثله كثير .
ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين :
هلم شهداءكم أي هاتوهم وأحضروهم ، وهو اسم فعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والمجموع عند
أهل الحجاز ،
وأهل نجد يقولون : هلما هلمي هلموا ، فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال ، وبلغة
أهل الحجاز نزل القرآن ، ومنه قوله تعالى :
والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( الأحزاب : 18 ) والأصل عند
الخليل ها ضمت إليها لم ، وقال غيره : أصلها هل زيدت عليها الميم ، وفي كتاب العين
للخليل : أن أصلها هل أؤم : أي هل أقصدك ، ثم كثر استعمالهم لها ، وهذا أيضا من باب التبكيت لهم حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرم تلك الأشياء مع علمه أن لا شهود لهم
فإن شهدوا لهم بغير علم بل مجازفة وتعصبا
فلا تشهد معهم أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم فإنهم كاذبون جاهلون ، وشهادتهم باطلة
ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا أي ولا تتبع أهواءهم ، فإنهم رأس المكذبين بآياتنا .
قوله :
والذين لا يؤمنون بالآخرة معطوف على الموصول : أي
لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ، وأهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون أي يجعلون له عدلا من مخلوقاته كالأوثان ، والجملة إما في محل نصب على الحال ، أو معطوفة على لا يؤمنون .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ،
والبيهقي في الأسماء والصفات عن
مجاهد في قوله :
سيقول الذين أشركوا قال : هذا
قول قريش إن الله حرم هذا : أي البحيرة والسائبة ، والوصيلة والحام .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
عكرمة قل فلله الحجة البالغة قال : السلطان .
وأخرج
عبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه
والبيهقي في الأسماء والصفات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أنه قيل : له : إن ناسا يقولون ليس الشر بقدر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بيننا وبين أهل القدر هذه الآية :
سيقول الذين أشركوا إلى قوله :
فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : والعجز والكيس من القدر .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد قال : انقطعت
حجة القدرية عند هذه الآية
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله :
قل هلم شهداءكم قال : أروني شهداءكم .