ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون [ ص: 476 ] مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به ، بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم ، و " أن قد وجدنا " هو نفس النداء : أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم ، والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ ، وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم ، بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب ، وقيل : حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد " قالوا نعم " أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقا .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " نعم " بكسر العين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : من قال : نعم بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التي جواب وبين نعم التي هي اسم للبقر والغنم والإبل .
والمؤذن : المنادي ، أي فنادى مناد بينهم : أي بين الفريقين ، قيل : هو من الملائكة أن لعنة الله على الظالمين قرأ
ابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13869والبزي بتشديد أن وهو الأصل .
وقرأ الباقون بالتخفيف على أنها المخففة من الثقيلة أو المفسرة .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش بكسر همزة " إن " على إضمار القول .
وجملة الذين يصدون عن سبيل الله صفة للظالمين ، ويجوز الرفع والنصب على إضمار " هم " ، أو " أعني .
والصد : المنع : أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق ويبغونها عوجا أي يطلبون اعوجاجها : أي ينفرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هو فيه ، والعوج بالكسر في المعاني والأعيان ما لم يكن منتصبا ، وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح ، وجملة " وهم بالآخرة كافرون " في محل نصب على الحال .
قوله :
وبينهما حجاب " أي بين الفريقين أو بين الجنة والنار .
والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى :
فضرب بينهم بسور ( الحديد : 13 ) .
قوله :
وعلى الأعراف رجال الأعراف : جمع عرف ، وهي شرفات السور المضروب بينهم ، ومنه عرف الفرس وعرف الديك والأعراف في اللغة : المكان المرتفع ، وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله :
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( النور : 37 ) .
وقد اختلف العلماء في
أصحاب الأعراف من هم ؟ فقيل : هم الشهداء ، ذكره
القشيري وشرحبيل بن سعد ، وقيل : هم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره
مجاهد ، وقيل : هم قوم أنبياء ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وقيل : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة بن اليمان nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، ، وقيل : هم
العباس وحمزة وعلي nindex.php?page=showalam&ids=315وجعفر الطيار يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها ، حكي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة ، واختار هذا القول
النحاس ، وقيل : هم أولاد الزنا ، روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ذكره
أبو مجلز ، وجملة يعرفون كلا بسيماهم صفة لرجال .
والسيما العلامة : أي يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها ، أو مواضع الوضوء من المؤمنين ، أو علامة يجعلها الله لكل فريق في ذلك الموقف يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء .
ونادوا أصحاب الجنة ، أي : نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم أن سلام عليكم أي نادوهم بقولهم سلام عليكم تحية لهم وإكراما وتبشيرا ، أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب .
قوله :
لم يدخلوها وهم يطمعون أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف والحال أنهم يطمعون في دخولها ، وقيل : معنى يطمعون يعلمون أنهم يدخلونها وذلك معروف عند أهل اللغة : طمع بمعنى علم ذكره
النحاس .
وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مروي عن جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
وقال
أبو مجلز : هم أهل الجنة : أي أن أهل الأعراف قالوا لهم : سلام عليكم حال كون أهل الجنة لم يدخلوها والحال أنهم يطمعون في دخولها .
قوله :
وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار : أي جهة أصحاب ، وأصل معنى تلقاء جهة اللقاء ، وهي جهة المقابلة ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوله غير مصدرين ، أحدهما هذا ، والآخر تبيان ، وما عداهما بالفتح قالوا أي قال أهل الأعراف :
ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين سألوا الله أن لا يجعلهم منهم .
ونادى أصحاب الأعراف رجالا من الكفار يعرفونهم بسيماهم أي بعلاماتهم قالوا بدل من نادى
ما أغنى عنكم جمعكم الذي كنتم تجمعون للصد عن سبيل الله ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، قوله :
وما كنتم تستكبرون ما مصدرية : أي وما أغنى عنكم استكباركم .
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة هذا من كلام أصحاب الأعراف : أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة .
وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم ، وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم .
قوله :
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون هذا تمام كلام أصحاب الأعراف : أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة ، فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف " أدخلوا " بكسر الخاء .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في قوله :
أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قال : من النعيم والكرامة
فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال : من الخزي والهوان والعذاب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020204أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما وقف على قليب بدر [ ص: 477 ] تلا هذه الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله :
وبينهما حجاب قال : هو السور وهو الأعراف ، وإنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن
حذيفة قال : الأعراف سور بين الجنة والنار .
وأخرج
عبد الرزاق ، nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ، nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وابن المنذر ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في البعث والنشور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : الأعراف هو الشيء المشرف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عنه قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك .
وأخرج
ابن المنذر ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، قال : الأعراف جبال بين الجنة والنار فهم على أعرافها ، يقول على ذراها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أنها تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : زعموا أنه الصراط .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
حذيفة قال : أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار ، وهم آخر من يدخل الجنة ، قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
حذيفة نحوه .
وكذا أخرج نحوه عنه
عبد الرزاق ، nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ، nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وابن المنذر ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، .
وأخرج
أبو الشيخ ، وابن مردويه ، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12007أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020205سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أصحاب الأعراف ؟ فقال : هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي ، فارعوا من الجنة حيث شئتم .
قال
ابن كثير : وهذا مرسل حسن .
وأخرج
البيهقي في البعث عن
حذيفة أراه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
يجمع الناس يوم القيامة فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ويؤمر بأهل النار إلى النار ، ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون ؟ قالوا : ننتظر أمرك ، فيقال لهم : إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوا بمغفرتي ورحمتي .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، وابن منيع nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن
عبد الرحمن المزني قال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحاب الأعراف ؟ فقال : هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم ، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ، ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن مردويه ، بسند ضعيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه .
وأخرج
ابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا نحوه أيضا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14060الحارث بن أبي أسامة في مسنده
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وابن مردويه ، عن
عبد الله بن مالك الهلالي عن أبيه مرفوعا نحوه .
وأخرج
ابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، مرفوعا نحوه .
وأخرج
أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن رجل من
مزينة مرفوعا نحوه .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
أبي عبيدة بن محمد بن عمار أنه سئل عن قوله :
لم يدخلوها وهم يطمعون قال : سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم ، أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ، فإذا مروا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة قالوا : سلام عليكم وإذا مروا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا :
ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ونادى أصحاب الأعراف رجالا قال : في النار
يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون قال الله لأهل التكبر :
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة يعني أصحاب الأعراف
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون .