وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين اختلف المفسرون في معنى
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد ، لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سرية من الكفار ينفرون جميعا ويتركون المدينة خالية ، فأخبرهم الله سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك أي : ما صح لهم ولا استقام أن ينفروا جميعا ، بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة من تلك الفرقة ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة .
قالوا : ويكون الضمير في قوله : ليتفقهوا عائدا إلى الفرقة الباقية .
والمعنى : أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ، ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم ، ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو ، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين وينذروا قومهم وقت رجوعهم إليهم ، وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد ، وهي حكم مستقل بنفسه في مشروعية
الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين ، جعله الله سبحانه متصلا بما دل على إيجاب
الخروج إلى الجهاد ، فيكون السفر نوعين : الأول : سفر الجهاد ، والثاني : السفر لطلب العلم ، ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر .
والفقه : هو العلم بالأحكام الشرعية ، وبما يتوصل به إلى العلم بها من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول .
ومعنى ( فلولا نفر ) فهلا نفر ، والطائفة في اللغة الجماعة .
وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين ، وإنذار من لم يتفقه ، فجمع بين المقصدين الصالحين والمطلبين الصحيحين ، وهما تعلم العلم وتعليمه ، فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين ، فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني ، فهو كما قلت :
[ ص: 607 ] وطالب الدنيا بعلم الدين أي بائس كمن غدا لنعله يمسح بالقلانس
ومعنى
لعلهم يحذرون الترجي لوقوع الحذر منهم عن التفريط فيما يجب فعله فيترك ، أو فيما يجب تركه فيفعل .
ثم أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار ، وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة ،
والجهاد واجب لكل الكفار ، وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ، ثم الأقرب فالأقرب ثم أخبرهم الله بما يقوي عزائمهم ويثبت أقدامهم فقال :
واعلموا أن الله مع المتقين أي بالنصرة لهم وتأييدهم على عدوهم ومن كان الله معه لم يقم له شيء .
وقد أخرج أبو داود في ناسخه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : نسخ هؤلاء الآيات
انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] و
إلا تنفروا يعذبكم [ التوبة : 39 ] قوله :
وما كان المؤمنون لينفروا كافة يقول : لتنفر طائفة وتمكث طائفة مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فالماكثون مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو ، ولعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وابن المنذر ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي عنه نحوه من طريق أخرى بسياق أتم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عنه أيضا في هذه الآية قال : ليست هذه الآية في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يخلوا
بالمدينة من الجهد ويقبلوا بالإسلام وهم كاذبون ، فضيقوا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأجهدوهم ، فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله :
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وفي الباب روايات عن جماعة من التابعين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
قتادة ، في قوله :
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار قال : الأدنى ، فالأدنى .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
الضحاك ، مثله .
وأخرج
ابن مردويه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار قال : الروم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في قوله :
وليجدوا فيكم غلظة قال : شدة .